عزيزتي..
الحياة أجبرتني على السير عكس ما كنت أرغب، عكس إرادتي، هبة الله لي.. لسوف تكون الحياة خصيمتي يوم القيامة، لقد كسرت قلبي.. 
تعرفين ما يحدث للإنسان عندما يقف فى طريقه أمه وأبيه.. ما أشد الابتلاء حين يخرج من الإنسان ليوضع فى أقرب الناس إليه.. أخشى إن ذهبت بلا عودة أن أظل أُعير بفعلتي هذه.. أن يُعير الإنسان لتركه أقرب الناس إليه.. وهذا ما فعلته بي الحياة، لقد وضعتني أمام سنانها، لا أستطيع أن أهرب من نصل ذلك الرمح، سيشق رأسي إن حاولت الهرب، وما أكثر محاولاتي فى ذلك.. 
ماذا أفعل بعد أن أعتزلت الدنيا، وقسوت على قلبي قسوة مريرة.. إخترتهم.. لم يكن لي الإختيار، ولم يساعدوني على فعل شيء إلا أنهم زادوا القيد فى يدي، مُعتقدين بذلك أنهم يحرروني منه.. كسروني..
بالأمس حلف عليَّ أبي ثلاثاً بالله والله تالله أن أخبره عنكِ.. وقلت.. قلت أنكِ كنتِ موجودة هنا فى صدري.. وما كنت لأخبر أحداً بذلك أبداً أبداً.. ولكنه أقسم علي، وما كنت لأكذب أبداً بعد كلمة الله، ولو كان السيف على رقبتي.. يكفي أني وعدت ولم أوفي بوعدي.. 
يبدو أن القيود لا تريد أن تغادرني.. تزداد كثرة وقسوة.. وقلبي! قلبي قد كُسر، شُق نصفين، ما بين حريتي وقيدي.. وإبتلائي العظيم الذي أصبح إثنين وثلاثة..
**أود أن تكوني بخير.. رغم كل الأشياء التي ما زالت تحدث، والأخرى التي حدثت.. 

عزيزتي..

كان اليوم صعباً من تلك الأيام التى تمر بصعوبة على الجسم والقلب معاً.. حرارة خانقة، وأجواء لا تُحتمل، فى ظل أوقات بطيئة تأبى أن تتحرك أو تتغير.. أتذكر كيف كنت أشكي لكِ كطفل لا يستطيع التحمل.. أهرب إليك بتلك الشكوى، وآمل منكِ أن تخلصِني من هذه الأيام..
الألم لا يبرح من مكانه، يظل يتشعب كشجرة عملاقة بجذور متأصلة وفروع قوية خشنة.. تعرفين لو أن لي أمنية بعد لقائكِ فى الحياة فستكون حول تمني حياة أخرى مختلفة لا يتمكن مني الألم بهذا الشكل الوقح.. لا يجعلني ضعيفاً حتى أمام نفسي، ولا أن أقف أمام المرآة أتحسر على أيامي وعمري الذى قضيتهما فى محاولة بائسة للإستمرار وربما النجاة.. لا أعرف أي نجاة، ولكنها محاولة أولاً وأخيراً..
وبمناسبة هذا اليوم الذى يتكرر كل يوم، أود أن أشكي لكِ سوء الحال، الحال الذى لم يعد يَسر أبداً، ولا يريد أن يتغير.. هل هى نزوة للحياة، أم أنها تهوى تعذيبنا، وتحوله من نزوة لشهوة ترضيها، رغم أني أعلم جيداً وبيقين أنها لا تبالي بنا..
أود بشدة أن أذهب بعيداً جداً عن الألم، أن يُتاح لى أن أقضي أيام ما بدون ألم رأسي الذى لا يبرحني، أود أن أفكر بإرتياحية لم يسبق لى أن شعرت بها، أن أجلس وأكتب ولا يذهب ذهني مطلقاً للكتابة عن الألم، حتى لو لم أجد ما أكتبه، وبدلاً من ذلك أذهب فى تمشية لأفكر فى كلمات ما أستطيع كتابتها.. ربما قصة بدون صراع، لا بطل يُقتل ولا نهاية مأساوية من مسرحيات شكسبير ولا معاناة فينسنت..
ونهايةً أود أن أنام، أن أستريح كثيراً وعميقاً، نوم لا أستيقظ منه أبداً، أن أُنسى، أن يعتبرني الله حجر ما وضع على الأرض وأنتهى معها، بلا ابتلاء ولا غداً حساب ولا بعده ثواب أو عقاب.. كأني لم أكن.. لا لي ولا علي.. ولكني حتماً سآنس بالخلود فى جنة الله والنظر إلى وجهه، ذا الجلال والإكرام.. وسأفتخر أمامه أني رجعت له كما خلقني..


**إن وصلتكِ هذه الرسالة، فأنا حي أُرزق، ولم أأمن بعد من حياتي، ولم أتخلص من ألمي الأبدي..


عزيزتي.. الحياة أجبرتني على السير عكس ما كنت أرغب، عكس إرادتي، هبة الله لي.. لسوف تكون الحياة خصيمتي يوم القيامة، لقد كسرت قلبي..  تعرفين ما...