‏إظهار الرسائل ذات التسميات رسائل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات رسائل. إظهار كافة الرسائل
عزيزتي..
الحياة أجبرتني على السير عكس ما كنت أرغب، عكس إرادتي، هبة الله لي.. لسوف تكون الحياة خصيمتي يوم القيامة، لقد كسرت قلبي.. 
تعرفين ما يحدث للإنسان عندما يقف فى طريقه أمه وأبيه.. ما أشد الابتلاء حين يخرج من الإنسان ليوضع فى أقرب الناس إليه.. أخشى إن ذهبت بلا عودة أن أظل أُعير بفعلتي هذه.. أن يُعير الإنسان لتركه أقرب الناس إليه.. وهذا ما فعلته بي الحياة، لقد وضعتني أمام سنانها، لا أستطيع أن أهرب من نصل ذلك الرمح، سيشق رأسي إن حاولت الهرب، وما أكثر محاولاتي فى ذلك.. 
ماذا أفعل بعد أن أعتزلت الدنيا، وقسوت على قلبي قسوة مريرة.. إخترتهم.. لم يكن لي الإختيار، ولم يساعدوني على فعل شيء إلا أنهم زادوا القيد فى يدي، مُعتقدين بذلك أنهم يحرروني منه.. كسروني..
بالأمس حلف عليَّ أبي ثلاثاً بالله والله تالله أن أخبره عنكِ.. وقلت.. قلت أنكِ كنتِ موجودة هنا فى صدري.. وما كنت لأخبر أحداً بذلك أبداً أبداً.. ولكنه أقسم علي، وما كنت لأكذب أبداً بعد كلمة الله، ولو كان السيف على رقبتي.. يكفي أني وعدت ولم أوفي بوعدي.. 
يبدو أن القيود لا تريد أن تغادرني.. تزداد كثرة وقسوة.. وقلبي! قلبي قد كُسر، شُق نصفين، ما بين حريتي وقيدي.. وإبتلائي العظيم الذي أصبح إثنين وثلاثة..
**أود أن تكوني بخير.. رغم كل الأشياء التي ما زالت تحدث، والأخرى التي حدثت.. 

عزيزتي..

كان اليوم صعباً من تلك الأيام التى تمر بصعوبة على الجسم والقلب معاً.. حرارة خانقة، وأجواء لا تُحتمل، فى ظل أوقات بطيئة تأبى أن تتحرك أو تتغير.. أتذكر كيف كنت أشكي لكِ كطفل لا يستطيع التحمل.. أهرب إليك بتلك الشكوى، وآمل منكِ أن تخلصِني من هذه الأيام..
الألم لا يبرح من مكانه، يظل يتشعب كشجرة عملاقة بجذور متأصلة وفروع قوية خشنة.. تعرفين لو أن لي أمنية بعد لقائكِ فى الحياة فستكون حول تمني حياة أخرى مختلفة لا يتمكن مني الألم بهذا الشكل الوقح.. لا يجعلني ضعيفاً حتى أمام نفسي، ولا أن أقف أمام المرآة أتحسر على أيامي وعمري الذى قضيتهما فى محاولة بائسة للإستمرار وربما النجاة.. لا أعرف أي نجاة، ولكنها محاولة أولاً وأخيراً..
وبمناسبة هذا اليوم الذى يتكرر كل يوم، أود أن أشكي لكِ سوء الحال، الحال الذى لم يعد يَسر أبداً، ولا يريد أن يتغير.. هل هى نزوة للحياة، أم أنها تهوى تعذيبنا، وتحوله من نزوة لشهوة ترضيها، رغم أني أعلم جيداً وبيقين أنها لا تبالي بنا..
أود بشدة أن أذهب بعيداً جداً عن الألم، أن يُتاح لى أن أقضي أيام ما بدون ألم رأسي الذى لا يبرحني، أود أن أفكر بإرتياحية لم يسبق لى أن شعرت بها، أن أجلس وأكتب ولا يذهب ذهني مطلقاً للكتابة عن الألم، حتى لو لم أجد ما أكتبه، وبدلاً من ذلك أذهب فى تمشية لأفكر فى كلمات ما أستطيع كتابتها.. ربما قصة بدون صراع، لا بطل يُقتل ولا نهاية مأساوية من مسرحيات شكسبير ولا معاناة فينسنت..
ونهايةً أود أن أنام، أن أستريح كثيراً وعميقاً، نوم لا أستيقظ منه أبداً، أن أُنسى، أن يعتبرني الله حجر ما وضع على الأرض وأنتهى معها، بلا ابتلاء ولا غداً حساب ولا بعده ثواب أو عقاب.. كأني لم أكن.. لا لي ولا علي.. ولكني حتماً سآنس بالخلود فى جنة الله والنظر إلى وجهه، ذا الجلال والإكرام.. وسأفتخر أمامه أني رجعت له كما خلقني..


**إن وصلتكِ هذه الرسالة، فأنا حي أُرزق، ولم أأمن بعد من حياتي، ولم أتخلص من ألمي الأبدي..


عزيزتي..

لقد رفضتني بقسوة ولامبالاة، لم تكن المرة الأولى ولكنها كانت أقساهم وأشدهم سوطاً على قلبي.. لم أكن أملك الكثير فى حياتي بقدر الألم والدموع ومن ثم الضعف، الضعف الذى جعل الناس وأنتِ تنظرين إلي من علو شاهق.. كُسر قلبي المُضمد بالجراح إثر معركة وراء معركة، زحف وراء انهزام، واستسلام وراء ضربات وسهام بنيران موجهه ناحية قلبي.. لا تثريب عليكم الآن، فالزمن يهزم كل شئ، حتى الحياة، الزمن يغلب الحياة وربما الموت أيضاً، حيث يحمل وراء لوحة آلام من وقف أمامها يبتغي النسيان، أن يُنسى هو ولا أحد غيره..

أحببت الرسم صغيراً، وجدت أنه فرصة لي كي أقول شيئاً لا يستطيع أحداً قوله، ولكني لم أستمر، توقفت عن مسك الفرشاة، ولكني رغم ذلك احتفظت بالورق والأقلام، كنت أعتقد أني سأعود يوماً لأرسم، وعندما وجدت رغبة ما تحثني على رسم شيء، كنتِ أنتِ موضع اللوحة، بإبتسامة فشلت في إظهارها، كنت أريد أن أراكِ أمامي، وليستِ تجوبين ذهني فقط، وددت أن أفعل شيئاً يقتل كل ما حدث بيننا، ولكني لم أستطع، كيف يمكن أن يمزق المرء ذكرياته الجميلة؟ وإن فعل ستقتله ذكرياته السيئة إن لم يُنسيه الزمان نفسه؟

كنت أود أن أخلد ذكرياي فيكِ، أن أُنسى بمنأى عن الحياة إلا منكِ.. ولكنكِ فعلتِ مثلما فعل الجميع.. لقد كُسر آخر ضلع في صدرى ذلك الذى أراد حملكِ.

لا أستطيع أبداً أن أحملك لوم من أي جهة، أنا المُدان والجاني والمجني عليه، أنا القاضي وقلبي في قفص الإتهام.

**أتذكر صورة لا تغادر ذهني مؤخراً، امرأة جالسة أمام جدار عليه نقوش فرعونية وحروف هيروغليفية، تضع على ركبتها ورق وتمسك في يدها قلم وتنقل تلك الرسوم على الجدران إلى دفترها.. وقفت أنظر لها، ليس طويلاً، ثم نظرت من حولها لأناس يمسكون كاميرات يصورون الجدران ويصورون أنفسهم مبتهجين، وهى تجلس وكأن الكون لا يدور حولها والوقت لا يمر، والأبد واقف ينتظرها تُكمل رسمها.. تركتها، أحسست أن وقتي ذهب سدى، وأن علي القيام بأشياء لم أبدأ فيها بعد، رغم أني قضيت نفس عمري تقريباً، ومن يدري..

لا شيء يحدث من قبيل الصدفة، إنها أقدار وابتلاءات تختبر إيماننا.. فهل نصدق؟


عزيزتي..

أنا لا أستحق عفو من نوع واحد، أنا أستحق كل العفو، كله بلا استثناء، ودعيني أبدل كلمة أستحق بكلمة أريد أو أرغب، هذا القلب الذي يسكن بين أضلعي يستحق العفو، رغم أنه كان سبب كل مشاكلي، تلك التي بدأت من ضعفه الأبدي، بدأت بغصة عميقة على جانبه الأيسر، فأدركت أن هناك أشياء قادمة ستقذف فيه الألم بسهولة. لكل أرض مغتصب من نوعاً ما، خائن محتل، وكان مُحتل قلبي هذه الآلام، مواجع تتقلب بداخله، ورغم كل هذا إلا أنه يستحق أن يعفو عنه، أن يغمره لون أبيض ناصع، أن يُغسل بماء البرد، ويُطهر من كل خطاياه. الخطايا التي سكنته وتعود عليها بشكل ما، لا وجود لأسباب واضحة ولتكن عادات قديمة رسمت في خطوطه نفسها، مُعلنة أنها فيه، وباقية لأبد ما..

تقتحم جسمي قشعريرة غريبة عندما يمر شئ بقلبي، رعشة ربما تشبه أول لمسة بين حبيبين.. ولكني في الأغلب أفسرها بأنها توبة.. نعم، هذه القشعريرة توبة.. توبة من نوع خاص، تأخذني معها إلى العودة من الحلم، هذه القشعريرة تردني إلى الواقع، وإلى ندم مضاعف أحياناً وأفكر في ذلك العفو الذى سيمحو عني خطاياي ثم ينثر وجداني في الفراغ المهيب..

أريد أن لا أبقى حياً، لا أود الإستمرار على قيد الحياة، لا أعرف ماذا سأقول لله!، أتمثل وقوفي أمامه، ولكن.. ربما ليس هناك -لكن- هذه المرة.. ولسوء حظي أني هنا، ومعي إرادة ما سأحاسب عليها..

يجب عليٌٍٍَ أن أرجع وأبدأ من جديد، وهنا عندي رأي بأن حياة الإنسان لا تتجزأ.. لا ينفصل حاضره عن مستقبله، ولا تنفصل مشاعره عن ذكرياته.. إنه منذ خُلق وإلى أن يموت يبقى له نفس القلب، مهما تغير ومهما تقلب.. ولذلك وجب عليٌَ أن أدرك توبة ما، وأرجع إلى طريق ما، وأنا أوقف كل الحياة التي تتعثر وتتخبط بها خطاي..

** لم نتحدث منذ فترة طويلة، وكم اشتقت لحديثكِ.. صوتكِ ووجهكِ الكريم.. 

 عزيزتي..

أنتِ كالشجرة، نعم شجرة، من فضلك تخيلي معي.. بذرة صغيرة تنمو ببطء، تنضج بصعوبة وسط التغيرات التي حولها من الفصول المتتابعة، نوبات من المطر الكثيف، وأوقات من الجفاف والحرمان، ورغم ذلك مازالت تنمو، كالطفل الصغير يحاول القيام فيسقط ثم يقف، ومن ثم يحاول المشي فيتعثر ثم يمشي، ولكنه ما زال ينمو، رغم كل العقبات النفسية التي تعيقه..
وكبرت الشجرة، ومازالت تتعاقب عليها الفصول، تزدهر وتخضر أوراقها وتنمو ثمارها وتنطلق وتخطف الأبصار إليها، يحبها العابرون كما يفعل المقيمون، ثم يتتابع ذلك سقوط لكل شئ من حيوتها وحياتها شيئاً قليلاً، ولكن أصلها ثابت، تتغلب على نوبات الدهر حتى تزهر من جديد.. وهكذا ليس لسنة واحدة، ولكن لدهر كامل..
الياسمين أَبي، تسقط ورقاته بيضاء كما نبتت، ترفض أن تجف، تسقط بشموخ، تتابع عليها الفصول وهي بيضاء، محتفظة بصفاتها وأخلاقها التي جُبلت عليها..
الزيتون الذى يصبر بصدق، يتحمل كما لا يتحمل أحد، يبقى شامخاً لدهور، يأبى الموت، ينتظر مسيحاً ما ليربت على قلبه ربما..

**تنمو أوراق شجرة العنب بسرعة كبيرة هذه الأيام، بعد أيام المطر الكثيفة، تستمتع الآن بشمس دافئة تنمو على إثرها.. صراحةً لم أعرف أنها سريعة النمو هكذا، فى أقل من أسبوع أخضرت وتفتحت.

الأقصر 2019

كنت أراها فى بهو المعبد تنظر لى مبتسمة، حول حجرات وملوك ونقوش ومسلات وطقوس وقرابين وبحيرة مقدسة تغسل الآثام وأدعية وصلوات، كانت من هنا وهناك، أركض نحوها كى ألاحقها ولكنها كانت عليمة بالأماكن، تتركني فى تيه، أعتقد أنها كانت تراقبني من بعيد، لأنها فجأة تظهر، وبضحكتها تقول ألم تتعب من البحث عنى، كطفلة تلعب بدميتها، لم أكن أريد إلا أن أمشى معها وأسمع منها حكايتها، وإن سمحت لى رافقتها للأبد، فلم تكن حياتى شئ من دونها، لم تكن تعنيني تلك الأماكن إلا من أجلها وبها، وهذه الإبتسامات التى تصعد على وجهي هى لها، لأقول لها أنى أحبك وأنى جئت عبر كل الأزمان والمسافات كى أصاحبها، وأرى تلك الأماكن التى تنتمي لها..



**عزيزتي..
زرت بيت العزيز كارتر ولكني لم أجده، قالوا أنه رحل، ولكني لا أصدقهم، كم أود أن أراه كما أود أن أراكِ..

 عزيزتي..

لم أكتب لكِ منذ مدة، وأود أن أعوض ذلك، لذا سأتكلم معكِ حول المستقبل، لأني مللت الحديث عن الماضي وأخطائه وذكرياته، الماضي الذي أخذ منا ولم يعطنا شئ، الماضي الذي حرمني منكِ، لكن المستقبل يوعد ويكتب علي بابه -علي أمل اللقاء- وأنا أمر الآن على بابه، وأؤمن بما كتب، سنلتقي يوماً، وستمشين بجانبي أمام الناس، وأنا مرفوع الرأس، فخور بكونكِ أخترتي السعادة معي، إلي جواري

أتخيلكِ في فستانك الأبيض كملاك نزل من السماء لي وحدي، أتخيل غرفة واحدة تجمعنا.. أتخيل أول حضن، أول قبلة، أول رعشة بيننا.. أود أن أرى وجهكِ عندما تستيقظين في الصباح قبل أن تغسليه بالماء، قبل أن تمشطي شعرك، أن أرى نصف النوم فى عينكِ.

لكن أخشى أن يأتني المستقبل لأدفع ثمن أخطاء الماضى، حين تركتكِ، حين كنت أمامكِ ولم أنطق بكلمة، حيث غلبني ضعفي، وهاهو يغلبني مرات ومرات، 

حتى فى كلامي عن المستقبل، أتذكر الماضى، كلما حاولت الفرار منه وجدته أمامي، يسيطر على عقلي، وروحي، لطالما أمنت أن الماضي هو أنا، أنا عبارة عن مجموعة تشكل الماضى، بكل تفاصيله الدقيقة، وغير الدقيقة، ولكنني أيضا أؤمن بالقادم، الحياة التى تفتح صدرها لنا، لتشملنا بعطفها، لتعطينا لحظات، ولا نسرق منها لحظة واحدة، 

أنا آسف، ضاعت كلماتي، وتهاوت أفكاري، لا أستطيع الحديث عن المستقبل، صعب التأمل، صعبة الأحلام، كل ما أستطعت تخيله هو أنتي،

علي أمل اللقاء يا عزيزتي.. 

 عزيزتي..

منذ كتبت الرسالة الأخيرة وأنا أتألم، صعب أن تعترف وتقول الحقيقة، علي عكس ما عرفت سابقاً أن الحقيقة تريح القلب، وكما قلت سابقا الحقيقة مؤلمة، ولكن الصدق ينجي صاحبه، وهذا كان اتفاقي معك منذ البداية، ولكني لم ألتزم به، صعب أن أحكي لكي مثلا أني رأيت يوماً بنت في غاية الجمال ونظرت لها طويلا، و وددت أن تقع في غرامي بينما أنا أبتعد عنها ولا أنظر لها.

اليوم في خطبة الجمعة كان الخطيب يتكلم عن النساء بما جاء في سورة الأحزاب، لا أعرف لماذا أعتقدت أنه يتكلم عني وعنك، لا أعرف لماذا أتهمني بالبعد عن الشرع، لاحظت ذلك، كنت أود أن أقول له أني لم أراها إلا من بعيد، وأني لم ألاحظ حتي لون عينها، لكني وقعت، أصبحت كالسائر في نومه، لا يعقل شيئاً، سلبتي مني عقلي، وجريت نحوك أطلب يديك، لكني أدركت كم العقبات من حولي، مقيد لا يستطيع فك قيده، قيدت بحدود لم أشارك في رسمها، وأناس من حولي عبدوا التراب وحكموا الأصنام، وأنا مازلت كافراً بها وبهم، لم أتخيل نفسي يوماً خائناً، أردت فقط أن أكون بجانبك، ولا تملي مني،

قالت لي أختي صباحاً حين كنا نتحدث، أننا لو الغياب الطويل الذي باعد بيننا، لما كنا بهذا الصفاء مع بعضنا البعض، قالت أنها تحتاج إلى أوقات لا تري فيها أحداً، وابتسمت من صراحتها، ودعوت لها أن يرزقها الله بمن يفهمها، فقالت أنها تريد من يحبها، وبسذاجة رخيصة أجبت عليها بأن الحب ليس كل شئ، وأن يفهمها زوجها أفضل من أن يحبها، ولا أكذب حين أقول أني أريد أن أحبك حب أمتلاك، أريدك معي دوما، لا يغيبين عني ولو لحظة، أريد أن تكوني لي بكل ما فيكي، كما كنت أنا، هذه هي الحقيقة أريد أن أمتلك ولو لمرة واحدة، وأريد أن تكوني أنتي هذه الواحدة..

عزيزتي..

هناك بيت من قصيدة مشهورة تقول.. لابد لليل أن ينجلي، لابد للقيد أن ينكسر.. أعتقد أنها لأبي القاسم الشابي على ما أتذكر، لكن بعيداً عن القصيدة كنت دوماً أتسائل عن الليل والقيد .. أي ليل وأي قيد فى حياتي.. هل الليل هو الذى أسعد بقدومه كل يوم، ولطالما سعدت بالليل والسهر والنظر إلى وجه القمر والنجوم، والذى لابد لى أن أقضيه معكِ خارج البيت أيام اكتمال القمر.. هل القيد هو حبى لكِ وتعلقي بأفكاري .. هل ينبغي لهذا الليل أن يرحل ، هل ينبغي لهذا القيد أن يتحطم.. هل ترحلين يوماً فجأة من حياتي كما دخلتِ فجأة.. هل يوماً سأكون بحاجة إلى التنازل عن أفكارى.. أنتِ وأفكارى كل ما أستطعت أمتلاكه فى حياتى..

هل تذكري يوم قلتِ لى أن الافكار هى من تصنع الإنسان وبناءً عليها يقول ويفعل، تذكرت حينها الليل والقيد.. أنا الشعب يا حبيبتي.. لكن القدر لم يستجب لي.. ليلتها لم أنم، لقد فهمت، لقد كنت المقصود من المغزى، كانت أفكاري يومها بين أصداف الحديد غارقة فى بحار عقلي.. أدمنت الخيال حتي نسيت الواقع ويجب علي العودة ولكني فقدت طريقه أيضاً.. هذا هو القيد الذي لابد له أن ينكسر.. الجنون فى داخلي سحب حتي انفعالاتي الخارجية .. كل من يراني يرى الهدوء، لكنه يعمي عن رؤية الإعصار فى عقلي.. حتي أنتِ.
أخيراً أهدي لكِ هذا البيت من نفس القصيدة..

" إليكِ الجمال الذي لا يبيـد إليكِ الوجود الرحيب النضر "..

صديقي العزيز -النيل-

 صديقي العزيز -النيل-

هل تشعر بي الآن!!.. أنا جالس أمامك من ساعات.. كل يوم أهرب إليك.. مني ومن نفسي ومن الناس.. وهم معي مهما حاولت الهروب.. أري فيك الصفاء والنقاء طول النهار .. ولكن عندما يأتي المساء لا أري منك إلا الظلمة والسواد.. كما هي الآن أمامي يتخللها بعض النور المعكوس من أعمدة الإنارة والمصابيح الملونة التي تحاول أن تعطي توهجاً لك ولكنها لا تستطيع.. فقط أنت تسيطر على المشهد وحدك.. ولكني أحبك..

أحبك لأني أشبهك لكن فقط كما فى الليل.. أشبهك فى أتساعك.. فى قدرتك على تحمل الناس والضوضاء من حولك .. بكل الذنوب والخطايا بداخلك.. مثلك متحرك فى مكاني.. فى مسار كتبه أحد غيري.. سائر فى طريق يصعب أن أحيد عنه.. لطالما فكرت فى السير فى عدة طرق أخري ولكنني لا أستطيع .. لا أستطيع أن أنفذ ما نويت على فعله.. فقط أفكر وأنظر .. هذا كل ما أستطيع .. لم أستطع يوماً أن أواجه وأن أتحدي قدري.. أنا ساكن.. عندما أنظر إلى نفسي فى المرآة.. لا أتخيل كيف أستطاعت كل هذه الأفكار فى داخلى أن تتعايش مع هذا الجسد.. هذا الذي لا يتحرك ولا يفعل شئ حتي هذا الذى يريد.. يتخلي عنه بأضعف الأسباب.. السر فى حبي لك هو أني أريد أن أتخلص من هذه الأفكار التي لا تناسب جسدي وأقدر على أن أرميها فى جوفك.. أعلم أنك سوف تحفظها فى داخلك .. فى أحد صناديقك أو أحد صدفاتك .. لا شئ يموت فى داخلك يا صديقي حتي وإن فقد الحياة..

أجي من مسافة طويلة لك كل يوم وحتي الآن لم أستطع أن أفعل ما أريد وأتخلص من هذه الأفكار .. هل لك أن تسحبها مني عنوة وهاأنا جالس أمامك .. وخلفي تماماً الحياة.. الحياة بكل معانيها وزينتها بأحلام العاشقين والأمل فى الغد.. بطموح الشباب وبراءة الأطفال.. لطالما أقسمت على حفظ أحلامي وفترة شبابي ولكني خنت العهد وما رعيته حق رعايته.. أنجرفت فى شهوات وما نلت شئ منها .. ياه لقد ضعيت عمري وأنا جالس لا أفعل شيئاً.. ماذا أخذت من مراقبتك ومراقبة الناس من حولك.. لماذا أنا وحيد هكذا.. ومالي أنا ومال الناس وما يقولوا.. وما كانوا معي يوماً فى حياتي.. لقد كانوا على الضفة الأخري وأنا بالكاد أنظر إليهم.. مالك يا صديقي تثير في الأحزان.. تطلق من صدري الشجون.. كيف لي أن أعيش فى هذا العالم وأنا بكامل الضعف.. أنت أيضاً ضعيف منذ قيدوك ووضعوا الأصداف عن يمينك ويسارك.. وأنت أستسلمت بسهولة.. لا تستطيع حتي التحكم فى مياهك.. هل تشعر بالضعف أم أنك مثلي تكتم غضبك وحزنك العميق فى داخلك بعيداً عن أعين الناس.. الحياة فى داخلك مجرد وهم تعيشه مثلي تماماً.. والحياة من حولك مجرد كذب وخداع نعيشه معاً.. متي نثور -غربية هذه الكلمة- متي نستطيع أن نتحكم فى أقدارنا -هذه أغرب- ..

لماذا ألتزمت بالقوانين وسيرت خلف التعليمات.. أين جنون شبابي.. لماذا أحتفظت به.. ماذا أفعل به وأنا عجوز عاجز.. لكن أنا فشلت حتي فى الجنون.. فى الخروج عن أفكاري التي تأكل من روحي يوماً بعد يوم.. أنا آسف أني جئت إليك.. جئت لعاجز ليخرجني من عجزي.. جئت لعاقل ليُخرج لى جنوني.. أنا آسف على ضياع وقتي علي شطك.. ماذا أفادت الشكوي يا صديقي .. لقد ظلت أفكاري بداخلي وظلت الحياة تسير بدوني..

**معك تختلط أفكاري بعواطفى.


..عزيزتي

أسعد كثيراً عندما أقرأ كلماتك، أحسها نابعة من فيض يتسم بالجمال والعطاء، من قال أنك أخذتي من الهاء ضعفها، لا يمكن أن تقول ذلك علي نفسك، أنت كمشكاه نور، تعطي ولا تبالي، وهذا لا يعني ضعف أبداً، الضعف يكمن في الأخذ لا العطاء، وهذا الفيض من .عطاء الكلمات الذي لا ينفذ عنك، إنه مجرد بناء لقصيدة جديدة في الحياة، وما أقل تلك القصائد

لم أتمالك نفسي يوم قرأت أول مرة لك، تلك الجمل التي تتكلم عن الحروف واللغة، لقد سحرتني، لم أنم يومها، كيف لم أفكر يوماً في الحروف بهذا الشكل، كنت أظن أني عاشق للغة وللحروف والقوافي، ولكني أيقنت بأني لست سوي عابر لفتت نظره عيون امرأة جميلة في الطريق فتوقف لحظة ثم مضي في طريقه، أما الآن فنظري إلي الحروف يختلف تماماً بفضلك.

الآن لم أعدك أكتب الشعر كالسابق، نعم توقفت، لم أكن يوماً شاعراً، كنت فقط راصً للكلمات، عرفت يومها أن الشعر أكبر مني وأعظم من كلمات، فلابد أولاً أن أصنع الشاعر في داخلي ثم أبني قصائدي.

شكراً لك، ولكلماتك، وتلك العبارات التي تعرف طريقها إلي القلب.



 إلى هى..

أعلم أني أكتب إليك كثيراً هذه الأيام.. لأني أفتقدك وأفقد صورتك الجميلة شيئاً فشيئاً،ولابد أن أعوض غيابك، مرت شهور منذ رأيت أخر مرة، آسف لأني رحلت عن المكان الذي كان يوماً يجمعنا سوياً بلا قيود وبلا أى شبهة، قدراً ذهبت لكي أراك وأحبك وأتعذب لفراقك، ياليتني قابلتك في حياة أخري غير هذه، في دنيا أبوابها مفتوحة لمن يريدها، بلا حدود أو حراس وبلا سلطة تسعي ورائنا، أرض خاوية وقاحلة نحولها معاً لجنة صغيرة تحت شجرة عتيقة، تحت شجرة الخلد، أعلم أني مقيد، مقيد بقوانين وضعها عبيد، أناس قدسوا التراب، وعبدوا الأسلاك الشائكة، وختموا علي جلودهم شعارات زائفة يموتون من أجلها، سجناء قسموا الزنزانة بينهم وأقنعوا أنفسهم أنهم يملكون شيئاً ويجوز توريثه..

لم أرتكب هذه الخطيئة معهم، ولكني اليوم شاهد على المعصية، بداخلي حق يرفض لساني النطق به، ضعيف أنا لم أستطع أن أنطق بحبك، خوف عميق يقيدني من الداخل، أريد الهرب والفرار، وأعترف لست من الشجاعة لأفعل، آسف لك ولقلبي، عند العاصفة أختفي فى كومة من قش، أغرق في أحزاني، وما أكثر أحزاني، وطفولتي التعيسة التي زرعت في الخوف والضعف والبعد عن الناس..

كنت عندما أراك أنسي نفسي بكل ما تحمل الكلمة من معني، تظهر شخصية البطل الوهمية فى داخلي، أنت وحدك أستطعتي أن تظهري الجانب الخفي مني، ولكن الآن أين أنت، أعترف أني كنت أسرق النظرات ليك، وما سرقت قبل ذلك أبداً، راقبتك طويلاً ورصدت ردود أفعالك وتعاملك اللطيف مع الناس، كنت أعالج نبض قلبي ليتحمل الوقوف أمامك، ولكني فشلت، فشلت حتي في السلام، ليتني فشلت فى النظرات، ونقضت العهد مع قلبي بأن يبقي فارغاً، غيابك طال، والزمن قصير، وأنا لابد أن أذهب لأخترق الحدود وأجول في الزنازين الأخري، لعلي أجد نفسي، لأهتدي للصراط المستقيم، ولكني أحتاجك لثبات علي الطريق، هذه فقط دفعه للصبر، أخبرتني أحلامي أني سأظل وحدي، والأحلام إذا فسرت وقعت، سأبقي للأبد غريب حتي لك، عابر سبيل في دنيا الله، لا أعرف المقام، بمتاع صغير، وقلب يحمل البياض لا ينتظر الأكل من شجرة الخلد، سأكون كما أريد لا كما يريدون، سأخرج من الطابور ولن أخذ الفتات..

ضاع عمري في روتين يومي من أجل لاشئ.. لا.. كانت برمجة للعقل من أجل الإستعداد للخدمة، لأقول نعم بلا أي تفكير، وفجأة ينتهي العمر، بلا أحلام أو آمال، ومع نهاية العمر ماذا أقول لأولادي!!.. ماذا أقول لنفسي!! كيف عشت وكيف ضيعت!!

آسف أثقلتك بمخاوفي و أنت لن تقرأي.. أنت في داخلي، خيال، شبح جميلة من أيام مراهقتي، أخاف أن ينمحي، أنت ذكري علي وشك النسيان، آسف لك علي كل الأحلام التي لم تتحقق، الحقيقة أن السجن بدأ يضيق، وعقلي لم يعد يستحسن القيد، أما جسدي فلم يعد هنا، رحل ولم يراعي العمر الذي قضاه معنا..

أخيراً الأعتراف يريح، يزيل عنك أحمال تثقلك بلا طائل.. وهذا أول أعتراف.. وما يحدث فى القلب يبقي هناك.

عزيزتي.. الحياة أجبرتني على السير عكس ما كنت أرغب، عكس إرادتي، هبة الله لي.. لسوف تكون الحياة خصيمتي يوم القيامة، لقد كسرت قلبي..  تعرفين ما...