لا أريد أن أكون مبالغاً فى كلامي، ولكني أيضاً أود وأرغب بشدة فى قول حقيقة عيشتها أو عايشتها قبل أن أترك عشرينات عمري.. لأني كأي شاب يبدأ حياته بعد أن ينهي دراسته، بأن يعمل ويُأسس بيتاً، مبالغة، بأن يعمل ويشتري سكناً صغيراً، مبالغة، بأن يعمل ويؤجر سكناً صغيراً ويتزوج وينجب أطفالاً ويعمل وينتقل من عمل إلى لآخر ويجرى من هنا إلى هناك ثم يرجع من هناك إلى هناك آخر وهكذا دواليك إلى أن يجد نفسه لا يستطيع الحركة ثم يموت، مبالغة، هكذا ببساطة..
لقد درست ولم تنفعني دراستي، تخرجت ولم أجد عملاً، لم أجد سكناً ملائماً حتى الآن، لا أريد أن أترك أبي ولا أمي وهما فى سن كبيرة، لم أجد مالاً كي أوفر من خلاله حياة كريمة -هكذا تُقال- لم أجد تلك الأشياء البسيطة التى كنت أُمني نفسي بأن تحدث يوماً ما، لقد استعجلت طفولتي بأن ترحل كي يصير لي ما أريد، كي أجد نفسي وعملي وتعليمي ومالي، أن أجد حريتي فى سكني الخاص، وأجد روحي على رفوف مكتبة أملئها بالكتب. تنتهي عشريناتي ولم أجد عملاً ولا مالاً ولا سكناً.. لم أجد لا نفسي ولا روحي، ولا عرفت ميول قلبي، ومازال عقلي يملئه الألم.. أعيش عشريناتي وأنا مشتت تائه على طريق ضال، لا يملئه غير الألم، والغضب والسخط، وربما الإنكار والجحود..
قرأت بالأمس إعلاناً بالجريدة الرسمية للدولة أن وزارة الإسكان تطرح وحدات إسكان إجتماعي لمتوسطي الدخل، ورغم ذلك يجب عليك إن كنت من ضمن متوسطي الدخل أن تجد فى جيبك ثمانون ألفاً نقداً لجدية الحجز ثم تقسط الباقى على سنوات طويلة تبقى فيها مقيداً إلزامياً بأقساط تصل نسبة العائد الإستثماري بها ل8% من المبلغ الكلى الذى قد لمليون وستمائة ألفاً أو يزيد، لمتوسطي الدخل!! ومتوسطي الدخل هؤلاء يتراوح دخلهم الشهري من ثلاثة آلاف حتى ستة آلاف..
لم أنظر للحياة بهذه النظرة المادية أبداً، ولكنها أيضاً الحياة هى من تعلمنا أن ننظر لها بهذه الطريقة، كعاهرة أو ساقطة تعطيها المال لتعطي لك جسدها غالباً.. لتنتهي ثلاثينات أو أربعينات عمري، ماذا سيحدث؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق