تساؤلات عن فترات إنقطاع الكتابة
تتوالى فترات إنقطاع الكتابة، ومع كل مرة أنوى أو أزعم فيها الكتابة كل يوم، أرى الأيام تتوالى وتكثر فترات الإنقطاع هذه. تحدث أشياء كثيرة في يومى تجعل العقل في وضعية الخمول والركون إلى التيه، وتتطاير الأفكار منه كورقات الشجر في فصل الخريف.. الوقت عامل خطير جداً في الحياة، حينما يُتاح لى أحس بأنى أملك الدنيا، أستطيع أن أفعل كل شيء هنا وهناك.
الحياة تمر بسرعة قاسية لا أعلم كيف تحمل قلبى كل تلك التغيرات، توالى السنون وتغير الأحداث، شكلى وأفكارى اللذين يتغيران يومياً، التفاصيل الصغيرة الدقيقة في الحياة تتغير أيضاً، أجدها تتشكل مع كل يوم بشكل جديد وقلبى معها يتقلب في وحشة مظلمة، لا يجد شيئاً مما أراده، حتى الكتابة التي أتخذها هرباً تهرب منه أيضاً، يقرأ و يشاهد ويسمع ولكن قلمه لا يتحرك ، لا يجد قلبه مع سرعة تقلبه، أين تذهب الأفكار، وكيف تحرمنا الحياة من رغبتنا في الإدلاء بأقوالنا، حيث تجلس وحيدة في قفصها الزجاجى، ترى العالم ولا يراه أحد، تشعر وتبتسم للآخرين، ولكن الآخرين لا يروا إلا إنعكاس صورهم على زجاجها.. ألم يحن لها أن تخرج من محبسها..
نجيب محفوظ كتب روايته "أولاد حارتنا" بعد خمس سنوات من الإنقطاع التام عن الكتابة كما قال، وذكر أنه لا يعلم سبب معين لهذا الإنقطاع، وحاول رغم ذلك البحث عن أسباب ثانوية لما كان يفعله في تلك السنوات، من المُرجح أن تكون السبب في قتل الرغبة في الكتابة.
كلنا نحاول البحث داخل أنفسنا عن أسباب كثيرة لهذا الإنقطاع، وحين نبحث نذهب بعيداً عن القلب، القلب أساس كل إنقطاع، مع سرعة التقلب تهرب منه أفكاره ومشاعره ولا يستطيع الفهم..
رغم أن أيام الإنقطاع عن الكتابة تبدو كأنها أيام قاحلة تخلو من كل شيء كالسير في الصحراء إلا أن مع هذا السير يلتقط القلب كل ما يحاول إلتقاطه من حوله، يصنع من السراب الذى يسير نحوه خيالاً يرسمه على الورق فيما بعد..
القلب يفهم ويحلل وقد يتطلب منه هذا الوقت الكثير حتى يستطيع أن يبوح بصدق عن كل ما رأى، كالإنسان عندما تصيبه صدمة ما يعجز مؤقتاً عن التفكير وإتخاذ القرار، ولهذا يلزمه وقت، ولكن على العكس يقبع العقل مفكراً، يحلل ويستنتج في الوقت ذاته، متسرع في قرارته، حتى أنه عندما رأى السراب أمامه في الصحراء أخذ يجرى ويلهث وراءه ولم يصل بعد، ولا يزال العقل على استنتاجه الأول أن هناك شيء يستحق الوصول أمامه، أم القلب يعيد صياغة ما يرى باستمرار، وكيف يستطيع القلب أن يبوح بما فيه وهو لا يعرفه أو غير قادر على فهمه.
سأعتمد على هذا التفسير لحين العودة للكتابة، فأنا لا أجد نفسى ولا أجد شيئاً مما في داخلى منذ توقفت عن الكتابة، وكلما حاولت أن أكتب توقفت بلا سبب ظاهر، لا أجد ما أكتبه، لقد نفذت كل تلك الكلمات التي كانت عالقة في صدرى، يبدو أنها خنقت من جراء الزحام الشديد والتخبط بداخلى.
القلب أحوج إلى الفهم من العقل، القلب محل الرغبة إن شئت الإستمرار في الكتابة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق