بضعة أشياء
عن أشياء كثيرة أخرى..
عزيزتي..
كان اليوم صعباً من تلك الأيام التى تمر بصعوبة على الجسم والقلب معاً.. حرارة خانقة، وأجواء لا تُحتمل، فى ظل أوقات بطيئة تأبى أن تتحرك أو تتغير.. أتذكر كيف كنت أشكي لكِ كطفل لا يستطيع التحمل.. أهرب إليك بتلك الشكوى، وآمل منكِ أن تخلصِني من هذه الأيام..
الألم لا يبرح من مكانه، يظل يتشعب كشجرة عملاقة بجذور متأصلة وفروع قوية خشنة.. تعرفين لو أن لي أمنية بعد لقائكِ فى الحياة فستكون حول تمني حياة أخرى مختلفة لا يتمكن مني الألم بهذا الشكل الوقح.. لا يجعلني ضعيفاً حتى أمام نفسي، ولا أن أقف أمام المرآة أتحسر على أيامي وعمري الذى قضيتهما فى محاولة بائسة للإستمرار وربما النجاة.. لا أعرف أي نجاة، ولكنها محاولة أولاً وأخيراً..
وبمناسبة هذا اليوم الذى يتكرر كل يوم، أود أن أشكي لكِ سوء الحال، الحال الذى لم يعد يَسر أبداً، ولا يريد أن يتغير.. هل هى نزوة للحياة، أم أنها تهوى تعذيبنا، وتحوله من نزوة لشهوة ترضيها، رغم أني أعلم جيداً وبيقين أنها لا تبالي بنا..
أود بشدة أن أذهب بعيداً جداً عن الألم، أن يُتاح لى أن أقضي أيام ما بدون ألم رأسي الذى لا يبرحني، أود أن أفكر بإرتياحية لم يسبق لى أن شعرت بها، أن أجلس وأكتب ولا يذهب ذهني مطلقاً للكتابة عن الألم، حتى لو لم أجد ما أكتبه، وبدلاً من ذلك أذهب فى تمشية لأفكر فى كلمات ما أستطيع كتابتها.. ربما قصة بدون صراع، لا بطل يُقتل ولا نهاية مأساوية من مسرحيات شكسبير ولا معاناة فينسنت..
ونهايةً أود أن أنام، أن أستريح كثيراً وعميقاً، نوم لا أستيقظ منه أبداً، أن أُنسى، أن يعتبرني الله حجر ما وضع على الأرض وأنتهى معها، بلا ابتلاء ولا غداً حساب ولا بعده ثواب أو عقاب.. كأني لم أكن.. لا لي ولا علي.. ولكني حتماً سآنس بالخلود فى جنة الله والنظر إلى وجهه، ذا الجلال والإكرام.. وسأفتخر أمامه أني رجعت له كما خلقني..
**إن وصلتكِ هذه الرسالة، فأنا حي أُرزق، ولم أأمن بعد من حياتي، ولم أتخلص من ألمي الأبدي..
عزيزتي..
لقد رفضتني بقسوة ولامبالاة، لم تكن المرة الأولى ولكنها كانت أقساهم
وأشدهم سوطاً على قلبي.. لم أكن أملك الكثير فى حياتي بقدر الألم والدموع ومن ثم
الضعف، الضعف الذى جعل الناس وأنتِ تنظرين إلي من علو شاهق.. كُسر قلبي المُضمد
بالجراح إثر معركة وراء معركة، زحف وراء انهزام، واستسلام وراء ضربات وسهام بنيران
موجهه ناحية قلبي.. لا تثريب عليكم الآن، فالزمن يهزم كل شئ، حتى الحياة، الزمن
يغلب الحياة وربما الموت أيضاً، حيث يحمل وراء لوحة آلام من وقف أمامها يبتغي
النسيان، أن يُنسى هو ولا أحد غيره..
أحببت الرسم صغيراً، وجدت أنه فرصة لي كي
أقول شيئاً لا يستطيع أحداً قوله، ولكني لم أستمر، توقفت عن مسك الفرشاة، ولكني
رغم ذلك احتفظت بالورق والأقلام، كنت أعتقد أني سأعود يوماً لأرسم، وعندما وجدت
رغبة ما تحثني على رسم شيء، كنتِ أنتِ موضع اللوحة، بإبتسامة فشلت في إظهارها، كنت
أريد أن أراكِ أمامي، وليستِ تجوبين ذهني فقط، وددت أن أفعل شيئاً يقتل كل ما حدث
بيننا، ولكني لم أستطع، كيف يمكن أن يمزق المرء ذكرياته الجميلة؟ وإن فعل ستقتله
ذكرياته السيئة إن لم يُنسيه الزمان نفسه؟
كنت أود أن أخلد ذكرياي فيكِ، أن أُنسى بمنأى
عن الحياة إلا منكِ.. ولكنكِ فعلتِ مثلما فعل الجميع.. لقد كُسر آخر ضلع في صدرى
ذلك الذى أراد حملكِ.
لا أستطيع أبداً أن أحملك لوم من أي جهة، أنا
المُدان والجاني والمجني عليه، أنا القاضي وقلبي في قفص الإتهام.
**أتذكر صورة لا تغادر ذهني مؤخراً، امرأة
جالسة أمام جدار عليه نقوش فرعونية وحروف هيروغليفية، تضع على ركبتها ورق وتمسك في
يدها قلم وتنقل تلك الرسوم على الجدران إلى دفترها.. وقفت أنظر لها، ليس طويلاً،
ثم نظرت من حولها لأناس يمسكون كاميرات يصورون الجدران ويصورون أنفسهم مبتهجين،
وهى تجلس وكأن الكون لا يدور حولها والوقت لا يمر، والأبد واقف ينتظرها تُكمل
رسمها.. تركتها، أحسست أن وقتي ذهب سدى، وأن علي القيام بأشياء لم أبدأ فيها بعد،
رغم أني قضيت نفس عمري تقريباً، ومن يدري..
لا شيء يحدث من قبيل الصدفة، إنها أقدار وابتلاءات
تختبر إيماننا.. فهل نصدق؟
عزيزتي..
أنا لا أستحق عفو من
نوع واحد، أنا أستحق كل العفو، كله بلا استثناء، ودعيني أبدل كلمة أستحق بكلمة أريد
أو أرغب، هذا القلب الذي يسكن بين أضلعي يستحق العفو، رغم أنه كان سبب كل مشاكلي،
تلك التي بدأت من ضعفه الأبدي، بدأت بغصة عميقة على جانبه الأيسر، فأدركت أن هناك
أشياء قادمة ستقذف فيه الألم بسهولة. لكل أرض مغتصب من نوعاً ما، خائن محتل، وكان
مُحتل قلبي هذه الآلام، مواجع تتقلب بداخله، ورغم كل هذا إلا أنه يستحق أن يعفو
عنه، أن يغمره لون أبيض ناصع، أن يُغسل بماء البرد، ويُطهر من كل خطاياه. الخطايا
التي سكنته وتعود عليها بشكل ما، لا وجود لأسباب واضحة ولتكن عادات قديمة رسمت في خطوطه
نفسها، مُعلنة أنها فيه، وباقية لأبد ما..
تقتحم جسمي قشعريرة
غريبة عندما يمر شئ بقلبي، رعشة ربما تشبه أول لمسة بين حبيبين.. ولكني في الأغلب
أفسرها بأنها توبة.. نعم، هذه القشعريرة توبة.. توبة من نوع خاص، تأخذني معها إلى
العودة من الحلم، هذه القشعريرة تردني إلى الواقع، وإلى ندم مضاعف أحياناً وأفكر في
ذلك العفو الذى سيمحو عني خطاياي ثم ينثر وجداني في الفراغ المهيب..
أريد أن لا أبقى حياً،
لا أود الإستمرار على قيد الحياة، لا أعرف ماذا سأقول لله!، أتمثل وقوفي أمامه، ولكن.. ربما ليس هناك -لكن- هذه المرة.. ولسوء
حظي أني هنا، ومعي إرادة ما سأحاسب عليها..
يجب عليٌٍٍَ أن أرجع وأبدأ من جديد، وهنا عندي رأي بأن حياة الإنسان لا تتجزأ.. لا ينفصل حاضره عن مستقبله، ولا تنفصل مشاعره عن ذكرياته.. إنه منذ خُلق وإلى أن يموت يبقى له نفس القلب، مهما تغير ومهما تقلب.. ولذلك وجب عليٌَ أن أدرك توبة ما، وأرجع إلى طريق ما، وأنا أوقف كل الحياة التي تتعثر وتتخبط بها خطاي..
** لم نتحدث منذ فترة طويلة، وكم اشتقت لحديثكِ.. صوتكِ ووجهكِ الكريم..
مازال عندما يجلس معها يبوح بكل البساطة والحرية، رغم أنها أنثى.. كم هو صعب على الرجل أن يبوح بأشياء معينة لامرأة سواء كانت عذراء أو ثيب.. يحكي كأنه يتكلم مع نفسه..
الأقصر 2019
لقد كنت دوماً أشعر بالنقيضين معاً، البرد والحر، الحب والكره، الأمل واليأس، الحلم والواقع، ثنائيات لم تفرغ منها حياتي.. لم تتركني الحياة إلا وجذبتني لأشياء ثم وجدتها سراب..
لا أستطيع وصف ماذا يحدث بشكل حقيقي وبدون ما أكون مبالغاً أو تافهاً.. لا أستطيع التوازن بين أي شئ.. الصورة تزداد غموضاً وتعقيداً.. لا أستطيع الإجابة عن الأسئلة، ولا حتى تمييزها عن بعضها.. كل الخيوط متداخلة ومتشابكة كخيوط عنكبوت..
أنا غير قادر على الحركة، يدي ليست مقيدة ولا قدماي، وأنا غير قادر على الحركة..
لا أريد أن أكون مبالغاً فى كلامي، ولكني أيضاً أود وأرغب بشدة فى قول حقيقة عيشتها أو عايشتها قبل أن أترك عشرينات عمري.. لأني كأي شاب يبدأ حياته بعد أن ينهي دراسته، بأن يعمل ويُأسس بيتاً، مبالغة، بأن يعمل ويشتري سكناً صغيراً، مبالغة، بأن يعمل ويؤجر سكناً صغيراً ويتزوج وينجب أطفالاً ويعمل وينتقل من عمل إلى لآخر ويجرى من هنا إلى هناك ثم يرجع من هناك إلى هناك آخر وهكذا دواليك إلى أن يجد نفسه لا يستطيع الحركة ثم يموت، مبالغة، هكذا ببساطة..
لقد درست ولم تنفعني دراستي، تخرجت ولم أجد عملاً، لم أجد سكناً ملائماً حتى الآن، لا أريد أن أترك أبي ولا أمي وهما فى سن كبيرة، لم أجد مالاً كي أوفر من خلاله حياة كريمة -هكذا تُقال- لم أجد تلك الأشياء البسيطة التى كنت أُمني نفسي بأن تحدث يوماً ما، لقد استعجلت طفولتي بأن ترحل كي يصير لي ما أريد، كي أجد نفسي وعملي وتعليمي ومالي، أن أجد حريتي فى سكني الخاص، وأجد روحي على رفوف مكتبة أملئها بالكتب. تنتهي عشريناتي ولم أجد عملاً ولا مالاً ولا سكناً.. لم أجد لا نفسي ولا روحي، ولا عرفت ميول قلبي، ومازال عقلي يملئه الألم.. أعيش عشريناتي وأنا مشتت تائه على طريق ضال، لا يملئه غير الألم، والغضب والسخط، وربما الإنكار والجحود..
قرأت بالأمس إعلاناً بالجريدة الرسمية للدولة أن وزارة الإسكان تطرح وحدات إسكان إجتماعي لمتوسطي الدخل، ورغم ذلك يجب عليك إن كنت من ضمن متوسطي الدخل أن تجد فى جيبك ثمانون ألفاً نقداً لجدية الحجز ثم تقسط الباقى على سنوات طويلة تبقى فيها مقيداً إلزامياً بأقساط تصل نسبة العائد الإستثماري بها ل8% من المبلغ الكلى الذى قد لمليون وستمائة ألفاً أو يزيد، لمتوسطي الدخل!! ومتوسطي الدخل هؤلاء يتراوح دخلهم الشهري من ثلاثة آلاف حتى ستة آلاف..
لم أنظر للحياة بهذه النظرة المادية أبداً، ولكنها أيضاً الحياة هى من تعلمنا أن ننظر لها بهذه الطريقة، كعاهرة أو ساقطة تعطيها المال لتعطي لك جسدها غالباً.. لتنتهي ثلاثينات أو أربعينات عمري، ماذا سيحدث؟
تعبت وأنا أنظر فى وجهات الحياة وفنونها، لأختار طريقي وما يناسب قلبي.. ويبدو أني فُتنت كمن أعتاد النظر إلى النساء، كنت أريد أن أعرف نفسي وما أحب، ولكن الحياة لم تكن بتلك البساطة لتنظر إلى إمرأة جميلة وتقع فى حبها من أول نظرة نحوها.. فعلت الكثير كي أجد ذاتي وطريقي ومساري العملي بدون فائدة تذكر، اللهم إلا وجع القلب وكره الحياة.. تحملت الكثير من الرفض عبر حياتي التى عيشتها، وما أكثر الألم فى رأسي، ألمي الذى كان يجلس فى رأسي بدأ يتحرك، ينتشر ويتفشى..
عاجز عن رؤية الطريق، كمن تضربه الشمس فى عينه فتعميه، جُل ما أخشاه هنا هو العمر، ماذا لو سار ولم أسر، مر ولم أمر، خطفه الطير قبل أن يخطفني الموت..
ألتزمت بقيود، ثقيلة، ولا أعرف لماذا؟ قيود لم أتبينها حتى، لم أعرف ماهيتها، أجبرت عليها منذ صغري، علموني أن هناك طريق واحد على الكل أن يسير عليه، هكذا هى الحياة، ذلك التعبير الأكثر صفاقة، ولكني كبرت وبدأ الشيب يغزو رأسي لأكتشف أن هناك طرق كثيرة، أكثر بكثير مما يتصور المرء، وذلك الطريق الوحيد هو ما استعبدونا به، دوامة وهمية من متطلبات هامشية لتصبح هي حياتنا..
أخاف أن أترك مساري، أخشى من ضياع أعوام سابقة قضيتها فيه، لأكتشف أني سرت فى الطريق الخطأ، أخشي من ندم، وألم، وفوات فرص وعمر ضائع، وشيخوخة طويلة، أخاف أن أبدأ من جديد، لأكتشف وأعيد نفس الأمر مرة ثانية، وربما أكثر، حتى أضيع كما ضاعت حياتي..
فقدت القدرة على مجارة الاحداث، فقدت قدرتي على التعلم والعمل، فقدت قدرتي على التنفس بانتظام، على التفكير، على الهدوء الداخلي، فقدت قدرتي على الحلم..
انقلب على وجهه خسر الدنيا والأخرة..
عزيزتي.. الحياة أجبرتني على السير عكس ما كنت أرغب، عكس إرادتي، هبة الله لي.. لسوف تكون الحياة خصيمتي يوم القيامة، لقد كسرت قلبي.. تعرفين ما...
-
التارجت أصبحت كلمة "تارجت" كلمة مألوفة منتشرة على ألسنة الكثير من الناس، ليس أصحاب مهنة معينة أو كار معين،بل كلمة عامة ...
-
لم أستطع الكتابة اليوم، كما أني لم أستطع القيام من مرقدي أو الخروج، أمضيت يومي أفكر فيما لو أنقلبت حياتي إلي سكون وفراغ، لو يوماً مللت من ال...
-
إلى هى.. أعلم أني أكتب إليك كثيراً هذه الأيام.. لأني أفتقدك وأفقد صورتك الجميلة شيئاً فشيئاً،ولابد أن أعوض غيابك، مرت شهور منذ رأيت أخر مر...