مستكشف مجهول

قرأت منذ فترة رواية طويلة، أراد مؤلفها الإنغماس فى كل شئ تقريباً، وضع فيها كم أشخاص كثيرة، وكمية أحداث من أزمان مختلفة، قد تكاد تشتت القارئ، ولكن عن نفسي جذبنتي شخصية تاريخية عظيمة بالنسبة لي، كنت قد قرأت اسمه منذ زمن، أعتقد أنه فى كتاب مدرسي قديم، كتاب تاريخ ربما يكون من المرحلة الإبتدائية، قرأت اسم هوارد كارتر، يمتزج اسمه مع الرقم 1922 واسم مقبرة شهيرة..
أستاذة سهير مدرسة التاريخ للمرحلة الإبتدائية بمدرسة فى إحدى قرى مصر، تقف أمام التلاميذ الصغار لتقول أنها اليوم ستتحدث عن أهم حدث يتعلق بالتاريخ فى القرن العشرين، وينظر لها بشغف طفل صغير، كان يقضي معظم وقته بعد وقت المدرسة وهو ينظر إلى كتاب التاريخ، هو لا يعلم ماذا يريد من هذا الكتاب، وهل كان يعي ما يقرأه، أم أنه كان يحب مُدرسة التاريخ لأنها كانت تحبه، وكيف لم يكن يجد إجابة لسؤال والديه عن سر مذاكرة مادة التاريخ وترك بقية المواد، لأنه كان صغيراً بما يكفي لعدم معرفة الجواب أو حتى التعبير عن مشاعره وأفكاره السخيفة التى تراوده.. 
فى إبريل من السنة الفائتة، يُرشح لى صديقي تلك الرواية التاريخية، لأبدأ فوراً فى قرائتها، لتتحرك فى داخلي ذكريات طفل يمسك فى يده كتاب مدرسي ويذاكر درس عن إكتشاف مقبرة توت عنخ أمون، ويُذكر فى الحواشى اسم مكتشف المقبرة هوارد كارتر، بدأت الرواية بفتاة تائهة، ومع تكهنات بأني من الممكن أن أقع فى حبها أو أحد من الفتيات الأخريات، وقعت فى حب ذلك الاسم العابر الذى ذُكر فى هوامش الكتاب المدرسي.. 
رسام ومصور مجهول يصبح من أعظم مكتشفي الآثار يجتمع مع فتى مهزوم منسي كتب له الخلود ليصبح من أعظم الملوك.. التفاصيل الأولية عنه تكاد تختلف الروايات فيها، ولكن المشهد الأول من حياته، حين يسدل الستار عن طفل لم يتجاوز العاشرة يجلس أمام جداريات مقابر بني حسن، يرسم النقوش فى دفتره الصغير.. يبدو أن الصبي الذى ظهر فجأة يعرف ماذا يريد أن يفعل، على عكس الصبي الواقف أمام الصف ليقرأ درس اليوم عن إكتشاف المقبرة، ويسأل، يا أبله سهير هم أزاي أكتشفوا الكنز.. 
فى العشرينات من عمره يتولى كارتر مهام بإكتشاف الأثار، مع إهتمامه برسم الجداريات، يكتشف بعض منها فى الدير البحرى، تحت أنظار حتشبسوت، تلك الجميلة التى كانت تسكن أفكار الصبي الصغير، ويتولى كارتر العمل مع الحكومة المصرية، لتحدث العديد من الأحداث المؤسفة، ليبتعد كارتر عن العمل عدة سنوات، لتظهر فتاة سمراء تتراءى له فى صحوه ومنامه، حتى يكاد يُجن من فرط أفكاره وأحلامه فى التقرب منها.. ليحاول الرجوع لإكتشاف الآثار مرة أخرى، وتبدأ العديد من الأقوال عن مقبرة الفرعون المجهول، مقبرة لم تكتشف بعد، وتبدأ محاولات هروبه فى البر الغربي، ربما يهرب منها، وربما ليحصل على فرعونه المجهول..
كبر الصبي، وبقت ذكريات معلمته الطيبة، التى كانت تجيب عن أسئلته الصغيرة التافهة، ولكن كان المستكشف العظيم، يختبئ فى أعماق ذكرياته، يختبئ خلف مقبرة شهيرة، مع فرعون كُتب له خلود من نوع غريب، خلود وسط الصحراء، وسط كل فراعنة مصر القدماء، يبدو أنه عرف أن وسيلة البقاء لفترة أطول والإختباء من اللصوص هى أن يدفن نفسه وسط الجميع، فى قلب ما عرف لاحقاً بوادى الملوك..
متشوش الصبي من حياته الحالية، يقرأ ويمارس الكتابة، ولكن هناك أشياء كثيرة ناقصة، ربما حبيبته السمراء، التى ظهرت فجأة، وكما ظهرت أختفت، أو ربما قلبه الذى لم يعرف حتى الآن إلى أين يتجه، لم يجد حبه وطريقه الذى سيمر به عبر الحياة القصيرة، تغره الأماني، تغره الحياة بكل زينتها وتبرجها، تبهر عينه حتى تكاد تعميه، فلا يرى..
ثمانى سنوات من العمل على نقل الكنوز، قطعة قطعة على أكتاف العمال، لم يستطع كارتر الصمود أمام كم السرقات المهولة التى تعرضت لها مقبرة توت عنخ امون بعد إكتشافها كاملة كما وضعت، لقد إستطاع الملك الصغير أن يحفظ كنوزه بإختياره المكان المناسب، ليس بعيداً ولا قريباً، دخل البر الغربي وسط الشواهد المخفية للذين سبقوه، يبدو أنه كان يعرف أن أجله قريب وعمره قصير، وأن خضوعه للكهنة، وعودة الإله القديم أمر لا بد منه، لتهدأ الدولة قليلاً، ترك تل العمارنة التى لم تستطع الصمود طويلاً، رجع إلى طيبة، كان يقضي ليله يبحث حتى إهتدى إلى مكانه الأبدى، وبدأ فى بناء مقبرته، لم يستطع أحد العثور على مكان قلبه الذى أختاره، قلبه الذى كان ينظر دائماً إلى الغروب، كان يقضى نهاره ينظر إلى الغرب من شرفة قصره الذى ورثه عن طريق الخطأ، كان يعرف أنه لا يملك ولا يحكم، كان يعرف أن مكانه ليس على هذا الحرير، كان يعرف أن الموت سيقتحم حياته سريعاً، وربما كان يعرف أن الخلود سيلاحقه، وأن اسمه سيبقى رغم رفضه..
كارتر العنيد الذى كان يسهر قلقاً وخوفاً من ضياع الكنوز، كانت تُسرق وتكتشف وتُباع فى نيويورك وغيرها من البلاد قبل أن يحصيها ويعطيها رقمها الخاص على أرضها التى نبتت منها، كان قلبه يُحطم من ضياع إكتشافه العظيم، لربما أدركه قلق الفرعون الصغير الذى أراد أن يُنسى، ولكن الحياة ليست بالرقة الكافية لتُعطى كل إنسان ما يتمني.
قضى كارتر ثمانى سنوات من محاربة الأثرياء الطامعين فى كنوز الذهب والحجر، واللصوص الحافيين القديين المتسللين ليلاً، الحماية البريطانية والحكومة المصرية، كلهم يسعى لأخذ نصيبه من تركة الأجداد، تركة فرعون كان عاجزاً على أن يرفع رأسه فى وجه إمرأته المقيدة بالحرير، كانت تكرهه وكان يعلم من نظرتها، كان كارتر وحيداً، كان يعلم جيداً كم كان رائعاً ما حدث، وكم من المخزى ما يحدث، وأن هذه البلدة عاشت طويلاً تقاوم ومازالت ولن تتوقف، هذه الرمال وهذه الشمس وهذه الفتاة السمراء التى كانت تتراءى له ليلاً تمشى على الرمال هائمة تبحث عنه، كان يناديها ولا تسمعه.. 

عن أشياء أخرى كثيرة

تمرد بسيط حاولت أن أُحدثه اليوم، لم أذهب إلى العمل، أستيقظت برغبة جنسية قاسية، وذكريات مؤلمة، جسد مُتعب شديد الإنهاك، وعقل يرفض أن يتوقف عن التألم، يرفض أن يستعيد حياته الحقيقية، وليس تلك المُتخيلة الكاذبة.

ببساطة ذكرت اسمها، اسمها المميز، على اسم زهرة نادرة، وتذكرت معها كل البنات اللأتي أحببتهن، لقد عانى قلبي كثيراً من هذا الإنغماس فى حب من طرف واحد، لم أصدق ذلك الوصف غالباً، كنت أعتقد أني أحب وهذا يكفي، ولم أستطع أن أصدق نفسي.

أحببتهن، وكانت لكل واحدة منهم اسم مميز جداً، لا أعلم حقيقة هذه المصادفة ولكنها حدثت، وكن مؤانستي فى وحدتي، وكنت أكلمهن وأشكي لهن وحدتي وفقري، غربتي وألمي. أحببتهن، أحببت وجوههن الحسناء وغموضهن، وأحياناً عهرهن وتبرجهن. لم أكلم إلا واحدة فقط، وتقريباً عرضت عليها الزواج، ولكنها ربما وغالباً رفضت، لانها ببساطة لم ترد على سؤالي..

تمردت وبدلاً من الإستيقاظ الساعة الخامسة فجراً قمت من السرير الساعة الثانية عشر ظهراً، مع تقلباتي الغير مريحة، وظهري الذى أصبح يؤلمني بشدة منذ فترة. وذكرياتي، وألبوم صوري، وأحلامي، أحلامي التى رحلت وتلك الجديدة التى تسلك مسار السابقة منها، وكما نقول دائماً أن لكل شئ نهاية، مهما حاولنا تغيير ذلك.

أهلكت نفسي بمشاعر ودموع وصور قديمة، وكما تمنيت دوماً لو كان لي على كل ناصية حبيبة وصديق، وليس هكذا تتحقق الأمنيات ولا الأحلام، هنا حياة تسخرمنا. وهناك حبيبتي التى كنت أناديها ب صديقي العزيز، وكم كانت غالية هنا فى خيالي، لأنه لم يكتب لي القدر أن أراها، كنت أريد أن ألمسها، حقيقةً وليس مجازاً، كنت أريد أن أحضنها، حقيقةً وليس مجازاً، كنت أريد أكثر من ذلك، كنت أريد أن أخترق قلبها، وأسكن هناك، وبلا أي رغبة فى مغادرته..

لم أستمع إلى الموسيقى لفترة طويلة، كانت سنوات طويلة من العفة، ولكني سمعت مصادفةً هيثم شاكر يغني كنت مداويني كنت بأقل كلام بتقدر تحتويني، أول ما أضيع كنت الوحيد اللى يلاقيني. ولشهور حتى الآن أسمعها ولا أستطيع أن أمنعها عن نفسي.

أقرأ الآن كتابين أحدهما سيرة ذاتية للفيلسوف الفرنسي سارتر اسمه الكلمات كتبه بنفسه عن ذكريات طفولته وعلاقته بأمه وجده وبالكتب، أنهيت القسم الأول منه وكان بعنوان القراءة، وباقي قسم أخير فى الكتاب بعنوان الكتابة وأنا متشوق جداً لمعرفة ذكريات الفيلسوف مع الكتابة، كيف بدأت وكيف نمت مهاراته الكتابية، وهو الذى نشا بين الكتب فى مكتبة جده الكبيرة. 

عقلى مضطرب، كما كان دوماً، لقد فوت نابي فى حصة عقلي، منذ بدأت مراهقتي وأنا أشعر بألم شديد فى رأسي، يمنعني كثيراً عن الحياة، الحياة التى تسخر مني، وفوتت علي كل شئ. ومع ذلك صنعت عالمي الخاص، لم أحقق كل ما تمنيته ولكني صنعته، أخترت الوحدة، ويوماً ما سأختار الغربة عن كل شئ أعرفه ربما، ولكني لن أستطيع الهرب، لأني أطلب من الله أن يحفظ ذكرياتي، هذه التي صنعتني، أتكلم وأكتب بها، أنا بدونها لم أُخلق. 

هذا التمرد الذى صنعته لن يجدي فائدة ملموسة، فغداً سأرجع إلى عملي الذى لا أحبه، وحياتي التى لا تناسبني، وسيبقى الألم مهما حاولت الإستمرار ...

التارجت الحقيقي

التارجت




أصبحت كلمة "تارجت" كلمة مألوفة منتشرة على ألسنة الكثير من الناس، ليس أصحاب مهنة معينة أو كار معين،بل كلمة عامة متداولة، كلمة معربة تعني فى اللغة الهدف، ولكن لتعرف حقيقةً مدلول تلك الكلمة فقط أنطقها فى مجمع من الناس، سترى منهم من يضحك، ومنهم من على وشك أن يشكو لك حاله، من يهزأ أو يسخر، المهم أن لها مدلول مختلف على مسامع الناس.

أعتقد أني لا أريد أن أتكلم عن تارجت المبيعات، أو تارجت المهندسين، أو تارجت خدمة العملاء، ولا حتى تارجت الإعلانات، بل أريد أن أتكلم عن تارجت اليوم القريب أو الهدف البعيد، نحن نضع الكثير من قوائم التى نريد بحق أن نحققها، بداية من قائمة المهام التى تود فعلها بعد أن تستيقظ غداً من نومك إلى قائمة الأمور التى تود أن تحققها على مدى سنوات من حياتك، ولكننا وكطبيعة الإنسان نؤجل، نؤجل الأحلام، عندما كنا صغاراً كانت لدينا أحلاماً ولم نكن ننام حتى نصنع أحلامنا بأنفسنا، وكنا نبكي ونصرخ من عدم تحققها.. لم يكن ينتهي اليوم حتى نتمكن من تحقيق التارجت، لا أعرف ماذا أودعت فينا الحياة حتى نتخلى عن أحلامنا بتلك البساطة، عن التارجت البسيط الذى كنا نحققه قبل أن ننام، إلى أحلام السنوية برحلة مدرسية أو مصيف.

أصبحنا نترك قائمة المهام التى نجهزها للغد، وهى التى تحتوى على أشياء بسيطة من قراءة كتاب أو زيارة صديق أو جلسة مع الأهل إلى الإهتمام بالتمارين الرياضية الخفيفة. نعتقد أن لا شئ من ذلك يفوتنا، نعتقد أننا نستطيع أن ننجز هذه الأمور بكل بساطة فى أي وقت قادم، مع أننا لا نستطيع أن نترك هواتفنا ومواقع التواصل الإجتماعي خشية أن لا يفوتنا شئ، حدث أو تعليق أو تريند، أصبح هذا هو التارجت بالنسبة لنا، كل شئ يمكننا تعويضه إلا هذا.

وتبدأ حكايات طويلة من  تضييع الوقت، والإهتمام بالتارجت الوهمي الشائع بين الأصدقاء، أصبحنا نعيش فى سباق وهمي، تارجت وهمي، حياة وهمية، بلا أى شئ حقيقي، أنا لا أدعو نفسي أو إياكم لأشياء خارجة عن المألوف، لكن فقط أشياء حقيقية تجعلنا نشعر أننا أحياء، لا أن تستطيع الحياة أن تهزمنا، أو أ، نفقد طاقنا فى لاشئ.

لا ينبغي علينا أن نضع لأنفسنا الكثير من المهام، ولكن يكفى أن تهتم بما تحب، فقط أفعل ما تحب، أجعل التارجت الحقيقي لك هو أن تحيا فى أحلام حقيقة، أهتم بمن تحب، أصلح ما فى حياتكم، أجعل يومك يبدو أن شخصاً يُبالى يعيش على الأرض، يحيا من أجل شئ ذو قيمة، لا تجعل الحياة تُفقدك طاقتك، لا تذهب إلى النوم وأنت تشعر بالخزي أو الإحباط، الأيام التالية كثيرة، وربما كثيرة جداً، وهى أيضا تستحق منك أن تعيشها بكل ما فيك، لنأمل أن نغير من أنفسنا، ليس ذلك التغيير أن يتخيله البعض منا، ذلك التغيير الجذري الذى لا نعرف فيه أنفسنا عندما ننظر إلى المرآة، ليس ذلك، ولكن التغيير الذى يجعلنا نشعر بما فى دواخلنا من أرواحنا، لا نجعل الحياة تتغلب علينا، إن مر يوم فهناك آخر قدام بمهام جديدة وتارجت جديد حقيقي سوف يتحقق.

تساؤلات عن فترات إنقطاع الكتابة

                                       تساؤلات عن فترات إنقطاع الكتابة




تتوالى فترات إنقطاع الكتابة، ومع كل مرة أنوى أو أزعم فيها الكتابة كل يوم، أرى الأيام تتوالى وتكثر فترات الإنقطاع هذه. تحدث أشياء كثيرة في يومى تجعل العقل في وضعية الخمول والركون إلى التيه، وتتطاير الأفكار منه كورقات الشجر في فصل الخريف.. الوقت عامل خطير جداً في الحياة، حينما يُتاح لى أحس بأنى أملك الدنيا، أستطيع أن أفعل كل شيء هنا وهناك.

الحياة تمر بسرعة قاسية لا أعلم كيف تحمل قلبى كل تلك التغيرات، توالى السنون وتغير الأحداث، شكلى وأفكارى اللذين يتغيران يومياً، التفاصيل الصغيرة الدقيقة في الحياة تتغير أيضاً، أجدها تتشكل مع كل يوم بشكل جديد وقلبى معها يتقلب في وحشة مظلمة، لا يجد شيئاً مما أراده، حتى الكتابة التي أتخذها هرباً تهرب منه أيضاً، يقرأ و يشاهد ويسمع ولكن قلمه لا يتحرك ، لا يجد قلبه مع سرعة تقلبه، أين تذهب الأفكار، وكيف تحرمنا الحياة من رغبتنا في الإدلاء بأقوالنا، حيث تجلس وحيدة في قفصها الزجاجى، ترى العالم ولا يراه أحد، تشعر وتبتسم للآخرين، ولكن الآخرين لا يروا إلا إنعكاس صورهم على زجاجها.. ألم يحن لها أن تخرج من محبسها..

نجيب محفوظ كتب روايته "أولاد حارتنا" بعد خمس سنوات من الإنقطاع التام عن الكتابة كما قال، وذكر أنه لا يعلم سبب معين لهذا الإنقطاع، وحاول رغم ذلك البحث عن أسباب ثانوية لما كان يفعله في تلك السنوات، من المُرجح أن تكون السبب في قتل الرغبة في الكتابة.

كلنا نحاول البحث داخل أنفسنا عن أسباب كثيرة لهذا الإنقطاع، وحين نبحث نذهب بعيداً عن القلب، القلب أساس كل إنقطاع، مع سرعة التقلب تهرب منه أفكاره ومشاعره ولا يستطيع الفهم..

رغم أن أيام الإنقطاع عن الكتابة تبدو كأنها أيام قاحلة تخلو من كل شيء كالسير في الصحراء إلا أن مع هذا السير يلتقط القلب كل ما يحاول إلتقاطه من حوله، يصنع من السراب الذى يسير نحوه خيالاً يرسمه على الورق فيما بعد.. 

القلب يفهم ويحلل وقد يتطلب منه هذا الوقت الكثير حتى يستطيع أن يبوح بصدق عن كل ما رأى، كالإنسان عندما تصيبه صدمة ما يعجز مؤقتاً عن التفكير وإتخاذ القرار، ولهذا يلزمه وقت، ولكن على العكس يقبع العقل مفكراً، يحلل ويستنتج في الوقت ذاته، متسرع في قرارته، حتى أنه عندما رأى السراب أمامه في الصحراء أخذ يجرى ويلهث وراءه ولم يصل بعد، ولا يزال العقل على استنتاجه الأول أن هناك شيء يستحق الوصول أمامه، أم القلب يعيد صياغة ما يرى باستمرار، وكيف يستطيع القلب أن يبوح بما فيه وهو لا يعرفه أو غير قادر على فهمه.

سأعتمد على هذا التفسير لحين العودة للكتابة، فأنا لا أجد نفسى ولا أجد شيئاً مما في داخلى منذ توقفت عن الكتابة، وكلما حاولت أن أكتب توقفت بلا سبب ظاهر، لا أجد ما أكتبه، لقد نفذت كل تلك الكلمات التي كانت عالقة في صدرى، يبدو أنها خنقت من جراء الزحام الشديد والتخبط بداخلى.

القلب أحوج إلى الفهم من العقل، القلب محل الرغبة إن شئت الإستمرار في الكتابة.

 عزيزتي..

أنتِ كالشجرة، نعم شجرة، من فضلك تخيلي معي.. بذرة صغيرة تنمو ببطء، تنضج بصعوبة وسط التغيرات التي حولها من الفصول المتتابعة، نوبات من المطر الكثيف، وأوقات من الجفاف والحرمان، ورغم ذلك مازالت تنمو، كالطفل الصغير يحاول القيام فيسقط ثم يقف، ومن ثم يحاول المشي فيتعثر ثم يمشي، ولكنه ما زال ينمو، رغم كل العقبات النفسية التي تعيقه..
وكبرت الشجرة، ومازالت تتعاقب عليها الفصول، تزدهر وتخضر أوراقها وتنمو ثمارها وتنطلق وتخطف الأبصار إليها، يحبها العابرون كما يفعل المقيمون، ثم يتتابع ذلك سقوط لكل شئ من حيوتها وحياتها شيئاً قليلاً، ولكن أصلها ثابت، تتغلب على نوبات الدهر حتى تزهر من جديد.. وهكذا ليس لسنة واحدة، ولكن لدهر كامل..
الياسمين أَبي، تسقط ورقاته بيضاء كما نبتت، ترفض أن تجف، تسقط بشموخ، تتابع عليها الفصول وهي بيضاء، محتفظة بصفاتها وأخلاقها التي جُبلت عليها..
الزيتون الذى يصبر بصدق، يتحمل كما لا يتحمل أحد، يبقى شامخاً لدهور، يأبى الموت، ينتظر مسيحاً ما ليربت على قلبه ربما..

**تنمو أوراق شجرة العنب بسرعة كبيرة هذه الأيام، بعد أيام المطر الكثيفة، تستمتع الآن بشمس دافئة تنمو على إثرها.. صراحةً لم أعرف أنها سريعة النمو هكذا، فى أقل من أسبوع أخضرت وتفتحت.

عزيزتي.. الحياة أجبرتني على السير عكس ما كنت أرغب، عكس إرادتي، هبة الله لي.. لسوف تكون الحياة خصيمتي يوم القيامة، لقد كسرت قلبي..  تعرفين ما...