عزيزتي..

لقد رفضتني بقسوة ولامبالاة، لم تكن المرة الأولى ولكنها كانت أقساهم وأشدهم سوطاً على قلبي.. لم أكن أملك الكثير فى حياتي بقدر الألم والدموع ومن ثم الضعف، الضعف الذى جعل الناس وأنتِ تنظرين إلي من علو شاهق.. كُسر قلبي المُضمد بالجراح إثر معركة وراء معركة، زحف وراء انهزام، واستسلام وراء ضربات وسهام بنيران موجهه ناحية قلبي.. لا تثريب عليكم الآن، فالزمن يهزم كل شئ، حتى الحياة، الزمن يغلب الحياة وربما الموت أيضاً، حيث يحمل وراء لوحة آلام من وقف أمامها يبتغي النسيان، أن يُنسى هو ولا أحد غيره..

أحببت الرسم صغيراً، وجدت أنه فرصة لي كي أقول شيئاً لا يستطيع أحداً قوله، ولكني لم أستمر، توقفت عن مسك الفرشاة، ولكني رغم ذلك احتفظت بالورق والأقلام، كنت أعتقد أني سأعود يوماً لأرسم، وعندما وجدت رغبة ما تحثني على رسم شيء، كنتِ أنتِ موضع اللوحة، بإبتسامة فشلت في إظهارها، كنت أريد أن أراكِ أمامي، وليستِ تجوبين ذهني فقط، وددت أن أفعل شيئاً يقتل كل ما حدث بيننا، ولكني لم أستطع، كيف يمكن أن يمزق المرء ذكرياته الجميلة؟ وإن فعل ستقتله ذكرياته السيئة إن لم يُنسيه الزمان نفسه؟

كنت أود أن أخلد ذكرياي فيكِ، أن أُنسى بمنأى عن الحياة إلا منكِ.. ولكنكِ فعلتِ مثلما فعل الجميع.. لقد كُسر آخر ضلع في صدرى ذلك الذى أراد حملكِ.

لا أستطيع أبداً أن أحملك لوم من أي جهة، أنا المُدان والجاني والمجني عليه، أنا القاضي وقلبي في قفص الإتهام.

**أتذكر صورة لا تغادر ذهني مؤخراً، امرأة جالسة أمام جدار عليه نقوش فرعونية وحروف هيروغليفية، تضع على ركبتها ورق وتمسك في يدها قلم وتنقل تلك الرسوم على الجدران إلى دفترها.. وقفت أنظر لها، ليس طويلاً، ثم نظرت من حولها لأناس يمسكون كاميرات يصورون الجدران ويصورون أنفسهم مبتهجين، وهى تجلس وكأن الكون لا يدور حولها والوقت لا يمر، والأبد واقف ينتظرها تُكمل رسمها.. تركتها، أحسست أن وقتي ذهب سدى، وأن علي القيام بأشياء لم أبدأ فيها بعد، رغم أني قضيت نفس عمري تقريباً، ومن يدري..

لا شيء يحدث من قبيل الصدفة، إنها أقدار وابتلاءات تختبر إيماننا.. فهل نصدق؟


عزيزتي..

أنا لا أستحق عفو من نوع واحد، أنا أستحق كل العفو، كله بلا استثناء، ودعيني أبدل كلمة أستحق بكلمة أريد أو أرغب، هذا القلب الذي يسكن بين أضلعي يستحق العفو، رغم أنه كان سبب كل مشاكلي، تلك التي بدأت من ضعفه الأبدي، بدأت بغصة عميقة على جانبه الأيسر، فأدركت أن هناك أشياء قادمة ستقذف فيه الألم بسهولة. لكل أرض مغتصب من نوعاً ما، خائن محتل، وكان مُحتل قلبي هذه الآلام، مواجع تتقلب بداخله، ورغم كل هذا إلا أنه يستحق أن يعفو عنه، أن يغمره لون أبيض ناصع، أن يُغسل بماء البرد، ويُطهر من كل خطاياه. الخطايا التي سكنته وتعود عليها بشكل ما، لا وجود لأسباب واضحة ولتكن عادات قديمة رسمت في خطوطه نفسها، مُعلنة أنها فيه، وباقية لأبد ما..

تقتحم جسمي قشعريرة غريبة عندما يمر شئ بقلبي، رعشة ربما تشبه أول لمسة بين حبيبين.. ولكني في الأغلب أفسرها بأنها توبة.. نعم، هذه القشعريرة توبة.. توبة من نوع خاص، تأخذني معها إلى العودة من الحلم، هذه القشعريرة تردني إلى الواقع، وإلى ندم مضاعف أحياناً وأفكر في ذلك العفو الذى سيمحو عني خطاياي ثم ينثر وجداني في الفراغ المهيب..

أريد أن لا أبقى حياً، لا أود الإستمرار على قيد الحياة، لا أعرف ماذا سأقول لله!، أتمثل وقوفي أمامه، ولكن.. ربما ليس هناك -لكن- هذه المرة.. ولسوء حظي أني هنا، ومعي إرادة ما سأحاسب عليها..

يجب عليٌٍٍَ أن أرجع وأبدأ من جديد، وهنا عندي رأي بأن حياة الإنسان لا تتجزأ.. لا ينفصل حاضره عن مستقبله، ولا تنفصل مشاعره عن ذكرياته.. إنه منذ خُلق وإلى أن يموت يبقى له نفس القلب، مهما تغير ومهما تقلب.. ولذلك وجب عليٌَ أن أدرك توبة ما، وأرجع إلى طريق ما، وأنا أوقف كل الحياة التي تتعثر وتتخبط بها خطاي..

** لم نتحدث منذ فترة طويلة، وكم اشتقت لحديثكِ.. صوتكِ ووجهكِ الكريم.. 

 مازال عندما يجلس معها يبوح بكل البساطة والحرية، رغم أنها أنثى.. كم هو صعب على الرجل أن يبوح بأشياء معينة لامرأة سواء كانت عذراء أو ثيب.. يحكي كأنه يتكلم مع نفسه..

كم قرأ عن الغرف المغلقة التي تُغلق على الرجل والمرأة، وكل كاتب حسب خياله الجامح يكتب ما يحدث وما لا يحدث وربما كتب عن أشياء لن تحدث مطلقاً.. لم يكن لديه وقائع عاشها كي يقيس عليها مدي الصدق أو الكذب الذي يحدث، وغالباً مال لتلك الروايات عن العشق والهوى لأنه أدرك حقاً أنه لم يعش كما ينبغي، بعيداً منعزلاً بلا أي قيود داخل زنزانته الأبدية التي خُلق لها.. ربما حدث ذلك..

لقد بكيت كثيراً أمام المسرحية الهزلية، وضحكت أكثر أمام جدية الحياة.. ولا أعرف كيف يجتمع الاثنين فى واحد، هل فعلاً يختفى الجنون مع العقل، والهذيان مع الجدية.. فى الغرفة المظلمة الرجل ينشد الخلود، يتمنى أن يلمس السماء حين يلمس جسدها، ولكن أفكاره تعترضه موجهة عينه نحو ما يلاقيه فى حياته، وفى تلك الشجرة التى لمسها ولم يلمس الخلود كما وجهته وساوسه، تفكر لو منعته امرأته عما أقدم عليه، كان عليها أن تحظره، وربما فعلت وهو لم ينتبه، شغلته بروحها السابحة فى محيط من السحب الشديدة البياض أو تلك الممتلئة بالسواد التى توشك على الوقوع..

استيقظ وشرب قهوته.. ثم مال برأسه لينظر نحوها كانت خاوية ومظلمة.. كيف التهمته، ولما سمح لنفسه بأن يشغل تلك الغرفة كل هذه السنين..
لم أستطع الكتابة اليوم، كما أني لم أستطع القيام من مرقدي أو الخروج، أمضيت يومي أفكر فيما لو أنقلبت حياتي إلي سكون وفراغ، لو يوماً مللت من الكتب أو الكتابة، لو بقيت وحدي ولم أراكِ بجانبي فى نفس الغرفة، لو مات الشغف فى داخلى، ماذا لو أرتفعت العمارة التي أمام بيتي كما أرتفع بقيتهم من باقى الجوانب، هل ستظل قطرات الشمس تخترق أغصان العنب لتسقط على وجهي وأنا نائم كما عودتني جدتي فى أيام الشتاء لإستمتاع بدفء الشمس، هل ستخنقني الحياة كما خنقتني أفكاري فى غرفتي، هل سيجئ يوماً لن أستطع فيه المشي والتيه فى الشوارع، هل ستفقدني الطرقات التي تسكعت عليها أم أني مجرد عابر سبيل مر ولم يترك أي أثر.. أفكر ماذا أيضاً لو جمعتنا الحياة، هل ستغدو الحياة بريقاً وجمالاً لا ينفذ أم أنها موجة ككل الموجات تجئ ثم تنطفئ، هل ينتصر الحب، هل تتحقق الوعود، هل تنتصر الحياة أم أن كل شئ سيغدو رماداً.. هل يستطيع قلبي أن يقنع عقلي بحبكِ ولو ليوم واحد، لأستعيد إشراقي وأملي من جديد، أم تنتصر التقاليد البالية التى وضعها مجموعة من الحمقى.. 

الأقصر 2019

طلبت مني أن أصحبها فى رحلتي، فوافقت مُرحباً بصحبتها.. طلبت مني تصويرها عبر تلك الممرات، وبين هذه الأعمدة الشامخة، والمسلات، والتماثيل، وعند بحيرتها المقدسة، وهرمها المدرج، ومقابر الملوك، وسلطانهم المقيم، وعند معشوقتها الفريدة حتشبسوت.. تحت شمس أكتوبر المترددة كانت تضع على رأسها قبعة بحواف مزخرفة، تضع يدها عليها فى معظم الصور.. تسبقني فى كل خطوة كطفلة، تلتفت وتضحك، ماذا كانت تحب فى هذه الحجارة، وأنا كالملهوف ورائها أسعى، تختفي ثم تظهر، تتكلم وتُشرق، تسبقني وتقول أنظر إلى هذه القطعة الفريدة ليس لها مثيل فى العالم، هذه ليست فى مكانها الأصلي، هذه البحيرة تشفي الأسقام، هناك عبر هذه السراديب سرق اللصوص أعظم ما أبدعه الفنانون والمهندسون، هنا تولى العرش ابن الفرعون المارق، هذا الجعران تميمة الحظ عندهم، هذه المسلة مكتوب عليها تاريخ تحتمس الثالث، مقبرة توت، وبيت العزيز كارتر.. صورها فارغة، كيف هربت من صوري، من عدستي التي رصدتها مبتسمة تحت حرارة الشمس، هل يوجد سبب واحد لجعل هذا ممكن الحدوث.. هل كانت وهم أسعى خلفه عبر كل تلك الأيام التي قضيتها هناك، ماذا عن كل هذه الأحاديث الطويلة عن الحضارة والفن والجمال والدين، هل كنت أحدثها بحق، أم أني كنت أُحدث نفسي، فى تيه معاها، هل كانت خيال يعبث بعقلي.. لقد كانت هناك، كنت أراها بيقين، فى أماكنها الأثيرة، فى خفتها وإبتسامتها.. كنت أسمع صوتها بوضوح عبر الردهات، بصدى داخل الحجرات..


لقد حظيت فى العامين السابقين بكمية حوادث ومشاعر، قد أصفها بأنها حياة بمفردها بعد حياة وربما أبالغ، ولكني رأيت معها الكثير والكثير، وركضت ركضاً مبرحاً.. لم أعد طفلاً، وهذه حقيقة قاسية لو تعمل..
لقد كنت دوماً أشعر بالنقيضين معاً، البرد والحر، الحب والكره، الأمل واليأس، الحلم والواقع، ثنائيات لم تفرغ منها حياتي.. لم تتركني الحياة إلا وجذبتني لأشياء ثم وجدتها سراب..
لا أستطيع وصف ماذا يحدث بشكل حقيقي وبدون ما أكون مبالغاً أو تافهاً.. لا أستطيع التوازن بين أي شئ.. الصورة تزداد غموضاً وتعقيداً.. لا أستطيع الإجابة عن الأسئلة، ولا حتى تمييزها عن بعضها.. كل الخيوط متداخلة ومتشابكة كخيوط عنكبوت..

أنا غير قادر على الحركة، يدي ليست مقيدة ولا قدماي، وأنا غير قادر على الحركة..
قلبي يئن وعقلي يتألم، أنا غير قادر على الحركة..
إزدادت الصورة خفوتاً والإضاءة إنطفأت، أنا غير قادر على الحركة..
ضاق الحيز المحيط وكثرت كمائن وحواجز وجدران، أنا غير قادر على الحركة..
تركتني حبيبتي ورحلت، بعدما وعدت بالبقاء، وعدت باللقاء، أنا غير قادر على الحركة..
تقيأت روحي بالأمس فما عادت تنظر لي الحياة، أنا غير قادر على الحركة..

لا أريد أن أكون مبالغاً فى كلامي، ولكني أيضاً أود وأرغب بشدة فى قول حقيقة عيشتها أو عايشتها قبل أن أترك عشرينات عمري.. لأني كأي شاب يبدأ حياته بعد أن ينهي دراسته، بأن يعمل ويُأسس بيتاً، مبالغة، بأن يعمل ويشتري سكناً صغيراً، مبالغة، بأن يعمل ويؤجر سكناً صغيراً ويتزوج وينجب أطفالاً ويعمل وينتقل من عمل إلى لآخر ويجرى من هنا إلى هناك ثم يرجع من هناك إلى هناك آخر وهكذا دواليك إلى أن يجد نفسه لا يستطيع الحركة ثم يموت، مبالغة، هكذا ببساطة..

لقد درست ولم تنفعني دراستي، تخرجت ولم أجد عملاً، لم أجد سكناً ملائماً حتى الآن، لا أريد أن أترك أبي ولا أمي وهما فى سن كبيرة، لم أجد مالاً كي أوفر من خلاله حياة كريمة -هكذا تُقال- لم أجد تلك الأشياء البسيطة التى كنت أُمني نفسي بأن تحدث يوماً ما، لقد استعجلت طفولتي بأن ترحل كي يصير لي ما أريد، كي أجد نفسي وعملي وتعليمي ومالي، أن أجد حريتي فى سكني الخاص، وأجد روحي على رفوف مكتبة أملئها بالكتب. تنتهي عشريناتي ولم أجد عملاً ولا مالاً ولا سكناً.. لم أجد لا نفسي ولا روحي، ولا عرفت ميول قلبي، ومازال عقلي يملئه الألم.. أعيش عشريناتي وأنا مشتت تائه على طريق ضال، لا يملئه غير الألم، والغضب والسخط، وربما الإنكار والجحود..

قرأت بالأمس إعلاناً بالجريدة الرسمية للدولة أن وزارة الإسكان تطرح وحدات إسكان إجتماعي لمتوسطي الدخل، ورغم ذلك يجب عليك إن كنت من ضمن متوسطي الدخل أن تجد فى جيبك ثمانون ألفاً نقداً لجدية الحجز ثم تقسط الباقى على سنوات طويلة تبقى فيها مقيداً إلزامياً بأقساط تصل نسبة العائد الإستثماري بها ل8% من المبلغ الكلى الذى قد لمليون وستمائة ألفاً أو يزيد، لمتوسطي الدخل!! ومتوسطي الدخل هؤلاء يتراوح دخلهم الشهري من ثلاثة آلاف حتى ستة آلاف..

لم أنظر للحياة بهذه النظرة المادية أبداً، ولكنها أيضاً الحياة هى من تعلمنا أن ننظر لها بهذه الطريقة، كعاهرة أو ساقطة تعطيها المال لتعطي لك جسدها غالباً.. لتنتهي ثلاثينات أو أربعينات عمري، ماذا سيحدث؟ 


تعبت وأنا أنظر فى وجهات الحياة وفنونها، لأختار طريقي وما يناسب قلبي.. ويبدو أني فُتنت كمن أعتاد النظر إلى النساء، كنت أريد أن أعرف نفسي وما أحب، ولكن الحياة لم تكن بتلك البساطة لتنظر إلى إمرأة جميلة وتقع فى حبها من أول نظرة نحوها.. فعلت الكثير كي أجد ذاتي وطريقي ومساري العملي بدون فائدة تذكر، اللهم إلا وجع القلب وكره الحياة.. تحملت الكثير من الرفض عبر حياتي التى عيشتها، وما أكثر الألم فى رأسي، ألمي الذى كان يجلس فى رأسي بدأ يتحرك، ينتشر ويتفشى.. 

عاجز عن رؤية الطريق، كمن تضربه الشمس فى عينه فتعميه، جُل ما أخشاه هنا هو العمر، ماذا لو سار ولم أسر، مر ولم أمر، خطفه الطير قبل أن يخطفني الموت.. 

ألتزمت بقيود، ثقيلة، ولا أعرف لماذا؟ قيود لم أتبينها حتى، لم أعرف ماهيتها، أجبرت عليها منذ صغري، علموني أن هناك طريق واحد على الكل أن يسير عليه، هكذا هى الحياة، ذلك التعبير الأكثر صفاقة، ولكني كبرت وبدأ الشيب يغزو رأسي لأكتشف أن هناك طرق كثيرة، أكثر بكثير مما يتصور المرء، وذلك الطريق الوحيد هو ما استعبدونا به، دوامة وهمية من متطلبات هامشية لتصبح هي حياتنا..

أخاف أن أترك مساري، أخشى من ضياع أعوام سابقة قضيتها فيه، لأكتشف أني سرت فى الطريق الخطأ، أخشي من ندم، وألم، وفوات فرص وعمر ضائع، وشيخوخة طويلة، أخاف أن أبدأ من جديد، لأكتشف وأعيد نفس الأمر مرة ثانية، وربما أكثر، حتى أضيع كما ضاعت حياتي..

فقدت القدرة على مجارة الاحداث، فقدت قدرتي على التعلم والعمل، فقدت قدرتي على التنفس بانتظام، على التفكير، على الهدوء الداخلي، فقدت قدرتي على الحلم..

انقلب على وجهه خسر الدنيا والأخرة..

سري للغاية ..

ابتسمت المرأة وهي تنظر لي بود لم يسبق لغريب أن أعطاه لي، تأكدت أني لا أحمل أي شئ معدني ولا حتى أزرار قميصي، الذي كان يحمل اللون البنفسجي آنذاك، وأظن أنها نسيت أن تعطيني سدادات الأذن، ليست امرأة بل فتاة صغيرة وأظن أنها توقعت مني أن أغازلها ولكني خذلتها. دخلت إلى الجهاز الذى يبدو كنصف كرة تخرج منها طاولة مستطيلة، كفم إنسان يُخرج لسانه سخريةً، استلقيت بظهري فوق الطاولة، ثم سحبتني للداخل وكأنها تلتهمني.. جهاز الرنين المغناطيسي الذى أراه لأول مرة، يُصدر ذبذبات من نوع خاص، كنت أشعر بها فى رأسي، تتخلخل داخل الأعصاب والخلايا، أسمع الصوت والصدى، فالفراغ داخل رأسي واسع، ويسكنه الألم، وكنت أبحث عن هذا الشئ الغريب الذى يسكن هذا الفراغ، قال طبيبي المعالج بثقة أن هذا الجهاز الوحيد المناط به إكتشاف الخبايا التي يحملها العقل، صدقته، وصدقه عقلي، عقلي المتمرد الوحيد، كنت أشعر بأنه يحرك أشعة الرنين حسب ما يريد، وليس كما درست أن الخطوط تسير مستقيمة تخترق وتتداخل، ولكنها أبداً لا تنثني أو تتمايل..

لقد فكرت في كل شئ، وأنا أجلس على الطاولة البيضاء، قالوا أني مكثت أكثر من ثلث الساعة، ولكني شعرت بها أياماً طويلة، فكرت فى أبي الجالس بالخارج ينتظرني، فكرت فى أمي وحبيبتي الضائعة، فكرت فى مستقبلي ودراستي، فى أحلامي الضائعة، قلبي التائه وجسدي المتعب، فى سنوات الوحدة والأمل ومحاولة التأقلم، تذكرت ثورة ضائعة وشهداء مجزرة كانوا أطفالاً يحلمون مثلي، أحداث لم يمضي عليها بضع شهور، تجمعت كل الصور والروايات فى ذهني، لأكون منها صورة واحدة لم تختفي منه حتى الآن، تذكرت طفولتي، وكل التفاصيل الصغيرة التي أحملها وتراكمت عليها السنون، كل شئ بدى ناصعاً براقاً لا يخفى منه شئ..
عمل عقلي بمثالية لم أعهدها عنه، وكأن الموجات كانت تحمل مخدراً للألم، أو محفزاً من نوع خاص..

لم يختلف القيد الذي قيدت به على الجهاز عن قيد الحياة شيئاً إلا القليل، فالفرق أن قيد الجهاز تركني أفكر، ترك لعقلي إمكانية تصور الأشياء والتعمق فيها، على عكس قيد الحياة الذي أضاعني وأضاع عقلي ووصمه بالتشتت وضِيق الأفق وضَيق عليَّ مُتنفسي الوحيد وهي أحلامي، كتم الأنفاس الذى يجعل من الوطن منفى، ومن السماء الزرقاء جدران قاسية سوداء..
لم يكن الألم يشغلني، سوى ذلك الساكن في رأسي، كان يملئها بحيث لا يترك فى أمد عقلي الواسع مكاناً، يسكنه وكأنه حق مكتسب له، يتحرك بحرية ويُضيق على أفكاري الحركة، يُحجمها ويمنعها من حريتها وفضولها الغريزي..

أصوات غاضبة ساخطة فى عقلى، تدمر خلاياه، وهو بالكاد مازال قادر على الحياة، على رغم نتائج الفحص المغناطيسي التى أظهرت أن لا شئ داخل تلك التجاويف، فلم تظهر الأفكار ولا المشاعر وأختفى الألم.. عن ماذا كانت تبحث إن لم تلقى هؤلاء وخاصة الألم، إنه موجود، أنا أشعر به..

ليس للحرب وجه أنثوي

أحسست بانهزامية شديدة بعد قراءة كتاب ليس للحرب وجه أنثوي، ومازلت فى عراك مع نفسي، وأشعر بثقل فى جسدي وألم فى رأسي، وكأني حاربت وانهزمت ورأيت الموت معهم، ولكني لم أشعر بالنصر مثلهم.. أشعر بالخوف، لامست قلبي تلك الحكايات الأنثوية عن الحرب.. شاهدت سابقاً أبكاليبس الحرب العالمية الثانية، لم تكن دموعي تفيض مثلما فعلت تلك الحيوات الأنثوية، شاهدته منذ ما يتخطى العشر سنوات، لم ألاحظ وجود إناث وسط الجنود، الجنود مجهولون دائماً، وحدهم القادة مرفوعة روؤسهم، فخوريين بحربهم، بخططهم وإنتصاراتهم.. تسحرك الأنثي بتعابيرها، برغبتها فى الحياة والحب، بضعف جسدها وقوة إرادتها، بدموعها وحنانها الكبير..

هناك بُعد أخر دائماً ما أفكر فيه منذ أيام مراهقتي، وهو فترات الحياة، بمعنى أني أرى الحياة على أنها فترات متقطعة، وليست متصلة إلا فى ذكرياتنا، وخاصة مرحلة الشباب المبكرة، ودليلي على ذلك أو ما أقنع به نفسي، حديث سبعة يظلهم الله فى ظله، منهم شاب نشأ في طاعة الله، وعكس ذلك بالطبع.. ف بالنسبة لهؤلاء الفتيات اللواتي شاركن فى الحرب أربعة أعوام وأعمارهم لا تتجاوز العشرين كانت تلك مرحلة/فترة فى حياتهن، بعدها تغيرت الحياة بالنسبة لهن تغييراً جذرياً ولم تبقى إلا ذكرياتهن.. وأقيس على ذلك أشياء كثيرة، فترة حدث عابر، رغم سخافة الفكرة، ولكني أكن لها إيمان من نوع ما..

هناك حديث -ضعيف- يقول “إن الله يعجب لشاب ليس له صبوة”.. والصبوة فى اللغة الفُتوة، وله صبوة أي له ميل إلى اللهو.. بمعنى أنه مقيم على طاعة الله، بعيد عن شهوات الشباب.. فنحن نتغير ونتقلب، ولكن الأهم أن تكون كل فتراتنا على صراط الله المستقيم..

مستكشف مجهول

قرأت منذ فترة رواية طويلة، أراد مؤلفها الإنغماس فى كل شئ تقريباً، وضع فيها كم أشخاص كثيرة، وكمية أحداث من أزمان مختلفة، قد تكاد تشتت القارئ، ولكن عن نفسي جذبنتي شخصية تاريخية عظيمة بالنسبة لي، كنت قد قرأت اسمه منذ زمن، أعتقد أنه فى كتاب مدرسي قديم، كتاب تاريخ ربما يكون من المرحلة الإبتدائية، قرأت اسم هوارد كارتر، يمتزج اسمه مع الرقم 1922 واسم مقبرة شهيرة..
أستاذة سهير مدرسة التاريخ للمرحلة الإبتدائية بمدرسة فى إحدى قرى مصر، تقف أمام التلاميذ الصغار لتقول أنها اليوم ستتحدث عن أهم حدث يتعلق بالتاريخ فى القرن العشرين، وينظر لها بشغف طفل صغير، كان يقضي معظم وقته بعد وقت المدرسة وهو ينظر إلى كتاب التاريخ، هو لا يعلم ماذا يريد من هذا الكتاب، وهل كان يعي ما يقرأه، أم أنه كان يحب مُدرسة التاريخ لأنها كانت تحبه، وكيف لم يكن يجد إجابة لسؤال والديه عن سر مذاكرة مادة التاريخ وترك بقية المواد، لأنه كان صغيراً بما يكفي لعدم معرفة الجواب أو حتى التعبير عن مشاعره وأفكاره السخيفة التى تراوده.. 
فى إبريل من السنة الفائتة، يُرشح لى صديقي تلك الرواية التاريخية، لأبدأ فوراً فى قرائتها، لتتحرك فى داخلي ذكريات طفل يمسك فى يده كتاب مدرسي ويذاكر درس عن إكتشاف مقبرة توت عنخ أمون، ويُذكر فى الحواشى اسم مكتشف المقبرة هوارد كارتر، بدأت الرواية بفتاة تائهة، ومع تكهنات بأني من الممكن أن أقع فى حبها أو أحد من الفتيات الأخريات، وقعت فى حب ذلك الاسم العابر الذى ذُكر فى هوامش الكتاب المدرسي.. 
رسام ومصور مجهول يصبح من أعظم مكتشفي الآثار يجتمع مع فتى مهزوم منسي كتب له الخلود ليصبح من أعظم الملوك.. التفاصيل الأولية عنه تكاد تختلف الروايات فيها، ولكن المشهد الأول من حياته، حين يسدل الستار عن طفل لم يتجاوز العاشرة يجلس أمام جداريات مقابر بني حسن، يرسم النقوش فى دفتره الصغير.. يبدو أن الصبي الذى ظهر فجأة يعرف ماذا يريد أن يفعل، على عكس الصبي الواقف أمام الصف ليقرأ درس اليوم عن إكتشاف المقبرة، ويسأل، يا أبله سهير هم أزاي أكتشفوا الكنز.. 
فى العشرينات من عمره يتولى كارتر مهام بإكتشاف الأثار، مع إهتمامه برسم الجداريات، يكتشف بعض منها فى الدير البحرى، تحت أنظار حتشبسوت، تلك الجميلة التى كانت تسكن أفكار الصبي الصغير، ويتولى كارتر العمل مع الحكومة المصرية، لتحدث العديد من الأحداث المؤسفة، ليبتعد كارتر عن العمل عدة سنوات، لتظهر فتاة سمراء تتراءى له فى صحوه ومنامه، حتى يكاد يُجن من فرط أفكاره وأحلامه فى التقرب منها.. ليحاول الرجوع لإكتشاف الآثار مرة أخرى، وتبدأ العديد من الأقوال عن مقبرة الفرعون المجهول، مقبرة لم تكتشف بعد، وتبدأ محاولات هروبه فى البر الغربي، ربما يهرب منها، وربما ليحصل على فرعونه المجهول..
كبر الصبي، وبقت ذكريات معلمته الطيبة، التى كانت تجيب عن أسئلته الصغيرة التافهة، ولكن كان المستكشف العظيم، يختبئ فى أعماق ذكرياته، يختبئ خلف مقبرة شهيرة، مع فرعون كُتب له خلود من نوع غريب، خلود وسط الصحراء، وسط كل فراعنة مصر القدماء، يبدو أنه عرف أن وسيلة البقاء لفترة أطول والإختباء من اللصوص هى أن يدفن نفسه وسط الجميع، فى قلب ما عرف لاحقاً بوادى الملوك..
متشوش الصبي من حياته الحالية، يقرأ ويمارس الكتابة، ولكن هناك أشياء كثيرة ناقصة، ربما حبيبته السمراء، التى ظهرت فجأة، وكما ظهرت أختفت، أو ربما قلبه الذى لم يعرف حتى الآن إلى أين يتجه، لم يجد حبه وطريقه الذى سيمر به عبر الحياة القصيرة، تغره الأماني، تغره الحياة بكل زينتها وتبرجها، تبهر عينه حتى تكاد تعميه، فلا يرى..
ثمانى سنوات من العمل على نقل الكنوز، قطعة قطعة على أكتاف العمال، لم يستطع كارتر الصمود أمام كم السرقات المهولة التى تعرضت لها مقبرة توت عنخ امون بعد إكتشافها كاملة كما وضعت، لقد إستطاع الملك الصغير أن يحفظ كنوزه بإختياره المكان المناسب، ليس بعيداً ولا قريباً، دخل البر الغربي وسط الشواهد المخفية للذين سبقوه، يبدو أنه كان يعرف أن أجله قريب وعمره قصير، وأن خضوعه للكهنة، وعودة الإله القديم أمر لا بد منه، لتهدأ الدولة قليلاً، ترك تل العمارنة التى لم تستطع الصمود طويلاً، رجع إلى طيبة، كان يقضي ليله يبحث حتى إهتدى إلى مكانه الأبدى، وبدأ فى بناء مقبرته، لم يستطع أحد العثور على مكان قلبه الذى أختاره، قلبه الذى كان ينظر دائماً إلى الغروب، كان يقضى نهاره ينظر إلى الغرب من شرفة قصره الذى ورثه عن طريق الخطأ، كان يعرف أنه لا يملك ولا يحكم، كان يعرف أن مكانه ليس على هذا الحرير، كان يعرف أن الموت سيقتحم حياته سريعاً، وربما كان يعرف أن الخلود سيلاحقه، وأن اسمه سيبقى رغم رفضه..
كارتر العنيد الذى كان يسهر قلقاً وخوفاً من ضياع الكنوز، كانت تُسرق وتكتشف وتُباع فى نيويورك وغيرها من البلاد قبل أن يحصيها ويعطيها رقمها الخاص على أرضها التى نبتت منها، كان قلبه يُحطم من ضياع إكتشافه العظيم، لربما أدركه قلق الفرعون الصغير الذى أراد أن يُنسى، ولكن الحياة ليست بالرقة الكافية لتُعطى كل إنسان ما يتمني.
قضى كارتر ثمانى سنوات من محاربة الأثرياء الطامعين فى كنوز الذهب والحجر، واللصوص الحافيين القديين المتسللين ليلاً، الحماية البريطانية والحكومة المصرية، كلهم يسعى لأخذ نصيبه من تركة الأجداد، تركة فرعون كان عاجزاً على أن يرفع رأسه فى وجه إمرأته المقيدة بالحرير، كانت تكرهه وكان يعلم من نظرتها، كان كارتر وحيداً، كان يعلم جيداً كم كان رائعاً ما حدث، وكم من المخزى ما يحدث، وأن هذه البلدة عاشت طويلاً تقاوم ومازالت ولن تتوقف، هذه الرمال وهذه الشمس وهذه الفتاة السمراء التى كانت تتراءى له ليلاً تمشى على الرمال هائمة تبحث عنه، كان يناديها ولا تسمعه.. 

عن أشياء أخرى كثيرة

تمرد بسيط حاولت أن أُحدثه اليوم، لم أذهب إلى العمل، أستيقظت برغبة جنسية قاسية، وذكريات مؤلمة، جسد مُتعب شديد الإنهاك، وعقل يرفض أن يتوقف عن التألم، يرفض أن يستعيد حياته الحقيقية، وليس تلك المُتخيلة الكاذبة.

ببساطة ذكرت اسمها، اسمها المميز، على اسم زهرة نادرة، وتذكرت معها كل البنات اللأتي أحببتهن، لقد عانى قلبي كثيراً من هذا الإنغماس فى حب من طرف واحد، لم أصدق ذلك الوصف غالباً، كنت أعتقد أني أحب وهذا يكفي، ولم أستطع أن أصدق نفسي.

أحببتهن، وكانت لكل واحدة منهم اسم مميز جداً، لا أعلم حقيقة هذه المصادفة ولكنها حدثت، وكن مؤانستي فى وحدتي، وكنت أكلمهن وأشكي لهن وحدتي وفقري، غربتي وألمي. أحببتهن، أحببت وجوههن الحسناء وغموضهن، وأحياناً عهرهن وتبرجهن. لم أكلم إلا واحدة فقط، وتقريباً عرضت عليها الزواج، ولكنها ربما وغالباً رفضت، لانها ببساطة لم ترد على سؤالي..

تمردت وبدلاً من الإستيقاظ الساعة الخامسة فجراً قمت من السرير الساعة الثانية عشر ظهراً، مع تقلباتي الغير مريحة، وظهري الذى أصبح يؤلمني بشدة منذ فترة. وذكرياتي، وألبوم صوري، وأحلامي، أحلامي التى رحلت وتلك الجديدة التى تسلك مسار السابقة منها، وكما نقول دائماً أن لكل شئ نهاية، مهما حاولنا تغيير ذلك.

أهلكت نفسي بمشاعر ودموع وصور قديمة، وكما تمنيت دوماً لو كان لي على كل ناصية حبيبة وصديق، وليس هكذا تتحقق الأمنيات ولا الأحلام، هنا حياة تسخرمنا. وهناك حبيبتي التى كنت أناديها ب صديقي العزيز، وكم كانت غالية هنا فى خيالي، لأنه لم يكتب لي القدر أن أراها، كنت أريد أن ألمسها، حقيقةً وليس مجازاً، كنت أريد أن أحضنها، حقيقةً وليس مجازاً، كنت أريد أكثر من ذلك، كنت أريد أن أخترق قلبها، وأسكن هناك، وبلا أي رغبة فى مغادرته..

لم أستمع إلى الموسيقى لفترة طويلة، كانت سنوات طويلة من العفة، ولكني سمعت مصادفةً هيثم شاكر يغني كنت مداويني كنت بأقل كلام بتقدر تحتويني، أول ما أضيع كنت الوحيد اللى يلاقيني. ولشهور حتى الآن أسمعها ولا أستطيع أن أمنعها عن نفسي.

أقرأ الآن كتابين أحدهما سيرة ذاتية للفيلسوف الفرنسي سارتر اسمه الكلمات كتبه بنفسه عن ذكريات طفولته وعلاقته بأمه وجده وبالكتب، أنهيت القسم الأول منه وكان بعنوان القراءة، وباقي قسم أخير فى الكتاب بعنوان الكتابة وأنا متشوق جداً لمعرفة ذكريات الفيلسوف مع الكتابة، كيف بدأت وكيف نمت مهاراته الكتابية، وهو الذى نشا بين الكتب فى مكتبة جده الكبيرة. 

عقلى مضطرب، كما كان دوماً، لقد فوت نابي فى حصة عقلي، منذ بدأت مراهقتي وأنا أشعر بألم شديد فى رأسي، يمنعني كثيراً عن الحياة، الحياة التى تسخر مني، وفوتت علي كل شئ. ومع ذلك صنعت عالمي الخاص، لم أحقق كل ما تمنيته ولكني صنعته، أخترت الوحدة، ويوماً ما سأختار الغربة عن كل شئ أعرفه ربما، ولكني لن أستطيع الهرب، لأني أطلب من الله أن يحفظ ذكرياتي، هذه التي صنعتني، أتكلم وأكتب بها، أنا بدونها لم أُخلق. 

هذا التمرد الذى صنعته لن يجدي فائدة ملموسة، فغداً سأرجع إلى عملي الذى لا أحبه، وحياتي التى لا تناسبني، وسيبقى الألم مهما حاولت الإستمرار ...

التارجت الحقيقي

التارجت




أصبحت كلمة "تارجت" كلمة مألوفة منتشرة على ألسنة الكثير من الناس، ليس أصحاب مهنة معينة أو كار معين،بل كلمة عامة متداولة، كلمة معربة تعني فى اللغة الهدف، ولكن لتعرف حقيقةً مدلول تلك الكلمة فقط أنطقها فى مجمع من الناس، سترى منهم من يضحك، ومنهم من على وشك أن يشكو لك حاله، من يهزأ أو يسخر، المهم أن لها مدلول مختلف على مسامع الناس.

أعتقد أني لا أريد أن أتكلم عن تارجت المبيعات، أو تارجت المهندسين، أو تارجت خدمة العملاء، ولا حتى تارجت الإعلانات، بل أريد أن أتكلم عن تارجت اليوم القريب أو الهدف البعيد، نحن نضع الكثير من قوائم التى نريد بحق أن نحققها، بداية من قائمة المهام التى تود فعلها بعد أن تستيقظ غداً من نومك إلى قائمة الأمور التى تود أن تحققها على مدى سنوات من حياتك، ولكننا وكطبيعة الإنسان نؤجل، نؤجل الأحلام، عندما كنا صغاراً كانت لدينا أحلاماً ولم نكن ننام حتى نصنع أحلامنا بأنفسنا، وكنا نبكي ونصرخ من عدم تحققها.. لم يكن ينتهي اليوم حتى نتمكن من تحقيق التارجت، لا أعرف ماذا أودعت فينا الحياة حتى نتخلى عن أحلامنا بتلك البساطة، عن التارجت البسيط الذى كنا نحققه قبل أن ننام، إلى أحلام السنوية برحلة مدرسية أو مصيف.

أصبحنا نترك قائمة المهام التى نجهزها للغد، وهى التى تحتوى على أشياء بسيطة من قراءة كتاب أو زيارة صديق أو جلسة مع الأهل إلى الإهتمام بالتمارين الرياضية الخفيفة. نعتقد أن لا شئ من ذلك يفوتنا، نعتقد أننا نستطيع أن ننجز هذه الأمور بكل بساطة فى أي وقت قادم، مع أننا لا نستطيع أن نترك هواتفنا ومواقع التواصل الإجتماعي خشية أن لا يفوتنا شئ، حدث أو تعليق أو تريند، أصبح هذا هو التارجت بالنسبة لنا، كل شئ يمكننا تعويضه إلا هذا.

وتبدأ حكايات طويلة من  تضييع الوقت، والإهتمام بالتارجت الوهمي الشائع بين الأصدقاء، أصبحنا نعيش فى سباق وهمي، تارجت وهمي، حياة وهمية، بلا أى شئ حقيقي، أنا لا أدعو نفسي أو إياكم لأشياء خارجة عن المألوف، لكن فقط أشياء حقيقية تجعلنا نشعر أننا أحياء، لا أن تستطيع الحياة أن تهزمنا، أو أ، نفقد طاقنا فى لاشئ.

لا ينبغي علينا أن نضع لأنفسنا الكثير من المهام، ولكن يكفى أن تهتم بما تحب، فقط أفعل ما تحب، أجعل التارجت الحقيقي لك هو أن تحيا فى أحلام حقيقة، أهتم بمن تحب، أصلح ما فى حياتكم، أجعل يومك يبدو أن شخصاً يُبالى يعيش على الأرض، يحيا من أجل شئ ذو قيمة، لا تجعل الحياة تُفقدك طاقتك، لا تذهب إلى النوم وأنت تشعر بالخزي أو الإحباط، الأيام التالية كثيرة، وربما كثيرة جداً، وهى أيضا تستحق منك أن تعيشها بكل ما فيك، لنأمل أن نغير من أنفسنا، ليس ذلك التغيير أن يتخيله البعض منا، ذلك التغيير الجذري الذى لا نعرف فيه أنفسنا عندما ننظر إلى المرآة، ليس ذلك، ولكن التغيير الذى يجعلنا نشعر بما فى دواخلنا من أرواحنا، لا نجعل الحياة تتغلب علينا، إن مر يوم فهناك آخر قدام بمهام جديدة وتارجت جديد حقيقي سوف يتحقق.

تساؤلات عن فترات إنقطاع الكتابة

                                       تساؤلات عن فترات إنقطاع الكتابة




تتوالى فترات إنقطاع الكتابة، ومع كل مرة أنوى أو أزعم فيها الكتابة كل يوم، أرى الأيام تتوالى وتكثر فترات الإنقطاع هذه. تحدث أشياء كثيرة في يومى تجعل العقل في وضعية الخمول والركون إلى التيه، وتتطاير الأفكار منه كورقات الشجر في فصل الخريف.. الوقت عامل خطير جداً في الحياة، حينما يُتاح لى أحس بأنى أملك الدنيا، أستطيع أن أفعل كل شيء هنا وهناك.

الحياة تمر بسرعة قاسية لا أعلم كيف تحمل قلبى كل تلك التغيرات، توالى السنون وتغير الأحداث، شكلى وأفكارى اللذين يتغيران يومياً، التفاصيل الصغيرة الدقيقة في الحياة تتغير أيضاً، أجدها تتشكل مع كل يوم بشكل جديد وقلبى معها يتقلب في وحشة مظلمة، لا يجد شيئاً مما أراده، حتى الكتابة التي أتخذها هرباً تهرب منه أيضاً، يقرأ و يشاهد ويسمع ولكن قلمه لا يتحرك ، لا يجد قلبه مع سرعة تقلبه، أين تذهب الأفكار، وكيف تحرمنا الحياة من رغبتنا في الإدلاء بأقوالنا، حيث تجلس وحيدة في قفصها الزجاجى، ترى العالم ولا يراه أحد، تشعر وتبتسم للآخرين، ولكن الآخرين لا يروا إلا إنعكاس صورهم على زجاجها.. ألم يحن لها أن تخرج من محبسها..

نجيب محفوظ كتب روايته "أولاد حارتنا" بعد خمس سنوات من الإنقطاع التام عن الكتابة كما قال، وذكر أنه لا يعلم سبب معين لهذا الإنقطاع، وحاول رغم ذلك البحث عن أسباب ثانوية لما كان يفعله في تلك السنوات، من المُرجح أن تكون السبب في قتل الرغبة في الكتابة.

كلنا نحاول البحث داخل أنفسنا عن أسباب كثيرة لهذا الإنقطاع، وحين نبحث نذهب بعيداً عن القلب، القلب أساس كل إنقطاع، مع سرعة التقلب تهرب منه أفكاره ومشاعره ولا يستطيع الفهم..

رغم أن أيام الإنقطاع عن الكتابة تبدو كأنها أيام قاحلة تخلو من كل شيء كالسير في الصحراء إلا أن مع هذا السير يلتقط القلب كل ما يحاول إلتقاطه من حوله، يصنع من السراب الذى يسير نحوه خيالاً يرسمه على الورق فيما بعد.. 

القلب يفهم ويحلل وقد يتطلب منه هذا الوقت الكثير حتى يستطيع أن يبوح بصدق عن كل ما رأى، كالإنسان عندما تصيبه صدمة ما يعجز مؤقتاً عن التفكير وإتخاذ القرار، ولهذا يلزمه وقت، ولكن على العكس يقبع العقل مفكراً، يحلل ويستنتج في الوقت ذاته، متسرع في قرارته، حتى أنه عندما رأى السراب أمامه في الصحراء أخذ يجرى ويلهث وراءه ولم يصل بعد، ولا يزال العقل على استنتاجه الأول أن هناك شيء يستحق الوصول أمامه، أم القلب يعيد صياغة ما يرى باستمرار، وكيف يستطيع القلب أن يبوح بما فيه وهو لا يعرفه أو غير قادر على فهمه.

سأعتمد على هذا التفسير لحين العودة للكتابة، فأنا لا أجد نفسى ولا أجد شيئاً مما في داخلى منذ توقفت عن الكتابة، وكلما حاولت أن أكتب توقفت بلا سبب ظاهر، لا أجد ما أكتبه، لقد نفذت كل تلك الكلمات التي كانت عالقة في صدرى، يبدو أنها خنقت من جراء الزحام الشديد والتخبط بداخلى.

القلب أحوج إلى الفهم من العقل، القلب محل الرغبة إن شئت الإستمرار في الكتابة.

 عزيزتي..

أنتِ كالشجرة، نعم شجرة، من فضلك تخيلي معي.. بذرة صغيرة تنمو ببطء، تنضج بصعوبة وسط التغيرات التي حولها من الفصول المتتابعة، نوبات من المطر الكثيف، وأوقات من الجفاف والحرمان، ورغم ذلك مازالت تنمو، كالطفل الصغير يحاول القيام فيسقط ثم يقف، ومن ثم يحاول المشي فيتعثر ثم يمشي، ولكنه ما زال ينمو، رغم كل العقبات النفسية التي تعيقه..
وكبرت الشجرة، ومازالت تتعاقب عليها الفصول، تزدهر وتخضر أوراقها وتنمو ثمارها وتنطلق وتخطف الأبصار إليها، يحبها العابرون كما يفعل المقيمون، ثم يتتابع ذلك سقوط لكل شئ من حيوتها وحياتها شيئاً قليلاً، ولكن أصلها ثابت، تتغلب على نوبات الدهر حتى تزهر من جديد.. وهكذا ليس لسنة واحدة، ولكن لدهر كامل..
الياسمين أَبي، تسقط ورقاته بيضاء كما نبتت، ترفض أن تجف، تسقط بشموخ، تتابع عليها الفصول وهي بيضاء، محتفظة بصفاتها وأخلاقها التي جُبلت عليها..
الزيتون الذى يصبر بصدق، يتحمل كما لا يتحمل أحد، يبقى شامخاً لدهور، يأبى الموت، ينتظر مسيحاً ما ليربت على قلبه ربما..

**تنمو أوراق شجرة العنب بسرعة كبيرة هذه الأيام، بعد أيام المطر الكثيفة، تستمتع الآن بشمس دافئة تنمو على إثرها.. صراحةً لم أعرف أنها سريعة النمو هكذا، فى أقل من أسبوع أخضرت وتفتحت.

الأقصر 2019

كنت أراها فى بهو المعبد تنظر لى مبتسمة، حول حجرات وملوك ونقوش ومسلات وطقوس وقرابين وبحيرة مقدسة تغسل الآثام وأدعية وصلوات، كانت من هنا وهناك، أركض نحوها كى ألاحقها ولكنها كانت عليمة بالأماكن، تتركني فى تيه، أعتقد أنها كانت تراقبني من بعيد، لأنها فجأة تظهر، وبضحكتها تقول ألم تتعب من البحث عنى، كطفلة تلعب بدميتها، لم أكن أريد إلا أن أمشى معها وأسمع منها حكايتها، وإن سمحت لى رافقتها للأبد، فلم تكن حياتى شئ من دونها، لم تكن تعنيني تلك الأماكن إلا من أجلها وبها، وهذه الإبتسامات التى تصعد على وجهي هى لها، لأقول لها أنى أحبك وأنى جئت عبر كل الأزمان والمسافات كى أصاحبها، وأرى تلك الأماكن التى تنتمي لها..



**عزيزتي..
زرت بيت العزيز كارتر ولكني لم أجده، قالوا أنه رحل، ولكني لا أصدقهم، كم أود أن أراه كما أود أن أراكِ..

 عزيزتي..

لم أكتب لكِ منذ مدة، وأود أن أعوض ذلك، لذا سأتكلم معكِ حول المستقبل، لأني مللت الحديث عن الماضي وأخطائه وذكرياته، الماضي الذي أخذ منا ولم يعطنا شئ، الماضي الذي حرمني منكِ، لكن المستقبل يوعد ويكتب علي بابه -علي أمل اللقاء- وأنا أمر الآن على بابه، وأؤمن بما كتب، سنلتقي يوماً، وستمشين بجانبي أمام الناس، وأنا مرفوع الرأس، فخور بكونكِ أخترتي السعادة معي، إلي جواري

أتخيلكِ في فستانك الأبيض كملاك نزل من السماء لي وحدي، أتخيل غرفة واحدة تجمعنا.. أتخيل أول حضن، أول قبلة، أول رعشة بيننا.. أود أن أرى وجهكِ عندما تستيقظين في الصباح قبل أن تغسليه بالماء، قبل أن تمشطي شعرك، أن أرى نصف النوم فى عينكِ.

لكن أخشى أن يأتني المستقبل لأدفع ثمن أخطاء الماضى، حين تركتكِ، حين كنت أمامكِ ولم أنطق بكلمة، حيث غلبني ضعفي، وهاهو يغلبني مرات ومرات، 

حتى فى كلامي عن المستقبل، أتذكر الماضى، كلما حاولت الفرار منه وجدته أمامي، يسيطر على عقلي، وروحي، لطالما أمنت أن الماضي هو أنا، أنا عبارة عن مجموعة تشكل الماضى، بكل تفاصيله الدقيقة، وغير الدقيقة، ولكنني أيضا أؤمن بالقادم، الحياة التى تفتح صدرها لنا، لتشملنا بعطفها، لتعطينا لحظات، ولا نسرق منها لحظة واحدة، 

أنا آسف، ضاعت كلماتي، وتهاوت أفكاري، لا أستطيع الحديث عن المستقبل، صعب التأمل، صعبة الأحلام، كل ما أستطعت تخيله هو أنتي،

علي أمل اللقاء يا عزيزتي.. 

 عزيزتي..

منذ كتبت الرسالة الأخيرة وأنا أتألم، صعب أن تعترف وتقول الحقيقة، علي عكس ما عرفت سابقاً أن الحقيقة تريح القلب، وكما قلت سابقا الحقيقة مؤلمة، ولكن الصدق ينجي صاحبه، وهذا كان اتفاقي معك منذ البداية، ولكني لم ألتزم به، صعب أن أحكي لكي مثلا أني رأيت يوماً بنت في غاية الجمال ونظرت لها طويلا، و وددت أن تقع في غرامي بينما أنا أبتعد عنها ولا أنظر لها.

اليوم في خطبة الجمعة كان الخطيب يتكلم عن النساء بما جاء في سورة الأحزاب، لا أعرف لماذا أعتقدت أنه يتكلم عني وعنك، لا أعرف لماذا أتهمني بالبعد عن الشرع، لاحظت ذلك، كنت أود أن أقول له أني لم أراها إلا من بعيد، وأني لم ألاحظ حتي لون عينها، لكني وقعت، أصبحت كالسائر في نومه، لا يعقل شيئاً، سلبتي مني عقلي، وجريت نحوك أطلب يديك، لكني أدركت كم العقبات من حولي، مقيد لا يستطيع فك قيده، قيدت بحدود لم أشارك في رسمها، وأناس من حولي عبدوا التراب وحكموا الأصنام، وأنا مازلت كافراً بها وبهم، لم أتخيل نفسي يوماً خائناً، أردت فقط أن أكون بجانبك، ولا تملي مني،

قالت لي أختي صباحاً حين كنا نتحدث، أننا لو الغياب الطويل الذي باعد بيننا، لما كنا بهذا الصفاء مع بعضنا البعض، قالت أنها تحتاج إلى أوقات لا تري فيها أحداً، وابتسمت من صراحتها، ودعوت لها أن يرزقها الله بمن يفهمها، فقالت أنها تريد من يحبها، وبسذاجة رخيصة أجبت عليها بأن الحب ليس كل شئ، وأن يفهمها زوجها أفضل من أن يحبها، ولا أكذب حين أقول أني أريد أن أحبك حب أمتلاك، أريدك معي دوما، لا يغيبين عني ولو لحظة، أريد أن تكوني لي بكل ما فيكي، كما كنت أنا، هذه هي الحقيقة أريد أن أمتلك ولو لمرة واحدة، وأريد أن تكوني أنتي هذه الواحدة..

عزيزتي..

هناك بيت من قصيدة مشهورة تقول.. لابد لليل أن ينجلي، لابد للقيد أن ينكسر.. أعتقد أنها لأبي القاسم الشابي على ما أتذكر، لكن بعيداً عن القصيدة كنت دوماً أتسائل عن الليل والقيد .. أي ليل وأي قيد فى حياتي.. هل الليل هو الذى أسعد بقدومه كل يوم، ولطالما سعدت بالليل والسهر والنظر إلى وجه القمر والنجوم، والذى لابد لى أن أقضيه معكِ خارج البيت أيام اكتمال القمر.. هل القيد هو حبى لكِ وتعلقي بأفكاري .. هل ينبغي لهذا الليل أن يرحل ، هل ينبغي لهذا القيد أن يتحطم.. هل ترحلين يوماً فجأة من حياتي كما دخلتِ فجأة.. هل يوماً سأكون بحاجة إلى التنازل عن أفكارى.. أنتِ وأفكارى كل ما أستطعت أمتلاكه فى حياتى..

هل تذكري يوم قلتِ لى أن الافكار هى من تصنع الإنسان وبناءً عليها يقول ويفعل، تذكرت حينها الليل والقيد.. أنا الشعب يا حبيبتي.. لكن القدر لم يستجب لي.. ليلتها لم أنم، لقد فهمت، لقد كنت المقصود من المغزى، كانت أفكاري يومها بين أصداف الحديد غارقة فى بحار عقلي.. أدمنت الخيال حتي نسيت الواقع ويجب علي العودة ولكني فقدت طريقه أيضاً.. هذا هو القيد الذي لابد له أن ينكسر.. الجنون فى داخلي سحب حتي انفعالاتي الخارجية .. كل من يراني يرى الهدوء، لكنه يعمي عن رؤية الإعصار فى عقلي.. حتي أنتِ.
أخيراً أهدي لكِ هذا البيت من نفس القصيدة..

" إليكِ الجمال الذي لا يبيـد إليكِ الوجود الرحيب النضر "..

صديقي العزيز -النيل-

 صديقي العزيز -النيل-

هل تشعر بي الآن!!.. أنا جالس أمامك من ساعات.. كل يوم أهرب إليك.. مني ومن نفسي ومن الناس.. وهم معي مهما حاولت الهروب.. أري فيك الصفاء والنقاء طول النهار .. ولكن عندما يأتي المساء لا أري منك إلا الظلمة والسواد.. كما هي الآن أمامي يتخللها بعض النور المعكوس من أعمدة الإنارة والمصابيح الملونة التي تحاول أن تعطي توهجاً لك ولكنها لا تستطيع.. فقط أنت تسيطر على المشهد وحدك.. ولكني أحبك..

أحبك لأني أشبهك لكن فقط كما فى الليل.. أشبهك فى أتساعك.. فى قدرتك على تحمل الناس والضوضاء من حولك .. بكل الذنوب والخطايا بداخلك.. مثلك متحرك فى مكاني.. فى مسار كتبه أحد غيري.. سائر فى طريق يصعب أن أحيد عنه.. لطالما فكرت فى السير فى عدة طرق أخري ولكنني لا أستطيع .. لا أستطيع أن أنفذ ما نويت على فعله.. فقط أفكر وأنظر .. هذا كل ما أستطيع .. لم أستطع يوماً أن أواجه وأن أتحدي قدري.. أنا ساكن.. عندما أنظر إلى نفسي فى المرآة.. لا أتخيل كيف أستطاعت كل هذه الأفكار فى داخلى أن تتعايش مع هذا الجسد.. هذا الذي لا يتحرك ولا يفعل شئ حتي هذا الذى يريد.. يتخلي عنه بأضعف الأسباب.. السر فى حبي لك هو أني أريد أن أتخلص من هذه الأفكار التي لا تناسب جسدي وأقدر على أن أرميها فى جوفك.. أعلم أنك سوف تحفظها فى داخلك .. فى أحد صناديقك أو أحد صدفاتك .. لا شئ يموت فى داخلك يا صديقي حتي وإن فقد الحياة..

أجي من مسافة طويلة لك كل يوم وحتي الآن لم أستطع أن أفعل ما أريد وأتخلص من هذه الأفكار .. هل لك أن تسحبها مني عنوة وهاأنا جالس أمامك .. وخلفي تماماً الحياة.. الحياة بكل معانيها وزينتها بأحلام العاشقين والأمل فى الغد.. بطموح الشباب وبراءة الأطفال.. لطالما أقسمت على حفظ أحلامي وفترة شبابي ولكني خنت العهد وما رعيته حق رعايته.. أنجرفت فى شهوات وما نلت شئ منها .. ياه لقد ضعيت عمري وأنا جالس لا أفعل شيئاً.. ماذا أخذت من مراقبتك ومراقبة الناس من حولك.. لماذا أنا وحيد هكذا.. ومالي أنا ومال الناس وما يقولوا.. وما كانوا معي يوماً فى حياتي.. لقد كانوا على الضفة الأخري وأنا بالكاد أنظر إليهم.. مالك يا صديقي تثير في الأحزان.. تطلق من صدري الشجون.. كيف لي أن أعيش فى هذا العالم وأنا بكامل الضعف.. أنت أيضاً ضعيف منذ قيدوك ووضعوا الأصداف عن يمينك ويسارك.. وأنت أستسلمت بسهولة.. لا تستطيع حتي التحكم فى مياهك.. هل تشعر بالضعف أم أنك مثلي تكتم غضبك وحزنك العميق فى داخلك بعيداً عن أعين الناس.. الحياة فى داخلك مجرد وهم تعيشه مثلي تماماً.. والحياة من حولك مجرد كذب وخداع نعيشه معاً.. متي نثور -غربية هذه الكلمة- متي نستطيع أن نتحكم فى أقدارنا -هذه أغرب- ..

لماذا ألتزمت بالقوانين وسيرت خلف التعليمات.. أين جنون شبابي.. لماذا أحتفظت به.. ماذا أفعل به وأنا عجوز عاجز.. لكن أنا فشلت حتي فى الجنون.. فى الخروج عن أفكاري التي تأكل من روحي يوماً بعد يوم.. أنا آسف أني جئت إليك.. جئت لعاجز ليخرجني من عجزي.. جئت لعاقل ليُخرج لى جنوني.. أنا آسف على ضياع وقتي علي شطك.. ماذا أفادت الشكوي يا صديقي .. لقد ظلت أفكاري بداخلي وظلت الحياة تسير بدوني..

**معك تختلط أفكاري بعواطفى.

عزيزتي.. الحياة أجبرتني على السير عكس ما كنت أرغب، عكس إرادتي، هبة الله لي.. لسوف تكون الحياة خصيمتي يوم القيامة، لقد كسرت قلبي..  تعرفين ما...